Arabic symbol

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

الدكتور محمد عابد الجابري

محمد عابد الجابري (27 ديسمبر 1936- 3 مايو 2010)، مفكر مغربي يدافع عن إمكانية إنشاء حداثة عربية انطلاقا من إعادة قراءة التراث العربي، عرف بأعماله في نقد العقل العربي اعتمادا على المناهج البنيوية والأركيولوجية والقطيعة الإبيستيمولوجيه الجزئية.

حياته

يروي الجابري مساره العلمي والمهني والسياسي في موقعه الرسمي بشكل تفصيلي نورد منه هنا النقاط الأساسية لهذا المسار.

المسار التعليمي

يسرد الجابري مساره التعليمي كما يلي،

في أكتوبر 1953، بعد إغلاق السلك الثانوي بالمدرسة المحمدية بالدار البيضاء، على إثر نفي محمد الخامس، التحقت بنفس المدرسة معلما في القسم التحضيري ثم في أقسام الشهادة الابتدائية، ثم في 1956 حصلت على الشهادة الثانوية (البروفي). كما حصلت على شهادة الكفاءة في التعليم الابتدائي، مما خول لي الالتحاق بسلك التعليم بوازرة التربية الوطنية كمعلم رسمي ابتداء من فاتح أكتوبر 1957 وقد عينت في نفس المدرسة معلما رسميا معارا للتعليم الحر.  في 1956 حصلت على  الشهادة الأولى للترجمة (مترشح حر). ثم في يونيه 1957 حصلت على شهادة البكالوريا كمترشح حر، وكان اتصالي الأول بالشهيد المهدي.

وفي الفترة من أكتوبر 1957 حتى يونيه 1958 أخذت تفرغا التعليم وقضيت السنة الجامعية الأولى في دمشق. وحصلت على شهادة "الثقافة العامة". في أكتوبر 1958 التحقت بكلية الآداب بالرباط قسم الفلسفة، حيث تابعت دراستي الجامعية، وفي يونيه1961 حصلت على الإجازة في الفلسفة. وحصلت على شهادة السنة الرابعة (الإضافية) في يونيه 1962.

في يونيه 1967 حصلت على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، فالتحقت في أكتوبر بكلية الآداب بالرباط كأستاذ مساعد. وفي سنة 1970 حصلت على شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة، وكانت لجنة المناقشة مزدوجة، مغربية فرنسية. من فرنسا: البروفسور هنري لاووسوت والبروفسور روجي أرلنديز. ومن المغرب: الدكتور نجيب بلدي والمرحوم الدكتور أمجد الطرابلسي وعميد الكلية آنذاك الأستاذ إبراهيم بوطالب. وكانت أولى دكتوراه دولة بالمغرب في مادة الفلسفة.

مساره العملي والسياسي

كما يسرد الجابري مساره العملي والسياسي كما يلي،

قضيت صيف سنة 1957 في جريدة "العلم، وفي أكتوبر 1958 التحقت بمعهد ليرميطاج بالدار البيضاء كقائم مقام مدير منذ إنشائه في نفس التاريخ إلى يونيه 1959. بعد ذلك ساهمت في انتفاضة 25 يناير 1959 والتحقت بجريدة "التحرير" منذ تأسيسها يوم 2 أبريل 1959 كسكرتير تحرير متطوع، في الوقت نفسه الذي واصلت مهمتي كمشرف على معهد ليرميطاج. ثم في يونيه 1959 توقفت عن العمل في هذا المعهد بسبب ظروف انتفاضة 25 يناير، متخليا عن راتبي فيه، مواصلا العمل في "التحرير" براتب شهري متواضع.

في ربيع 1960 سافرت إلى باريس بغرض الالتحاق بالسوربون ثم عدلت عن الفكرة وعدت إلى "التحرير" بإلحاح الشهيد المهدي ، وفي صيف 1962 قررت العودة إلى التعليم ومتابعة دراستي العليا، وانتخبت عضوا في المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المؤتمر الثاني مايو 1962.

في أكتوبر 1962 أنشأ المجلس البلدي في الدار البيضاء (وكان اتحاديا) معهدين ثانويين أحدهما للبنين أسندت إدارته للمرحوم عبد القادر الصحراوي، والآخر للبنات أسندت إدارته إلي.

في 16 يوليو 1963 اعتقلت مع باقي المسؤولين والأطر الاتحادية في مؤامرة تصفية الاتحاد ومكثت رهن الاعتقال في زنزانة بالدار البيضاء أزيد من شهرين ثم أطلق سراحي لفراغ الملف. وفي السنة نفسها (1963) قررت وزارة التعليم "تأميم" المعهدين البلديين وإدماج العاملين فيهما في سلك موظفي وزارة التعليم، فعينت أستاذا للسلك الثاني ثانوي ابتداء من أكتوبر 1962.

في مارس 1964 ساهمت في إصدار مجلة "أقلام". وقد تحمل مسؤولية المدير فيها الأستاذ عبد الرحمان بنعمرو، وتولى رئاسة التحرير كل من الأخوين محمد إبراهيم بوعلو وأحمد السطاتي. وكان الأخ بوعلو يتولى أيضا بمهمة المدير الإداري. وكان وجود "أقلام" واستمرارها بعناد كبير يدين له وحده تقريبا.

في يونيو 1964 صدرت جريدة "المحرر" كأسبوعية بصفة مؤقتة (وكانت "التحرير" قد توقفت بصفة نهائية في أكتوبر 1963). هذا وقد كان حضوري في "المحرر"، كمتطوع، منتظما كما كنت في "التحرير"، مع احتفاظي بوظيفتي في التعليم. كنت أقوم فيها بوظيفة سكرتير التحرير، كما كان الأخ عبد الرحمان اليوسفي يقوم بمهام رئيس التحرير، واستمر الحال كذلك إلى أن تعرضت لحجز منهجي عندما بدأت في باريس محاكمة المسؤولين عن اختطاف الشهيد المهدي.

في ديسمبر 1974، وفي إطار الاستعداد للمؤتمر الاستثنائي، استأنفت المحرر الصدور وتولى الشهيد عمر بنجلون إدارتها ورئاسة تحريرها. وكما واظبت على كتابة ركن يومي في "التحرير" بعنوان "صباح النور" من يوم صدورها في 2 أبريل 1959 إلى 16 يوليوز 1963 حين اعتقلنا، واظبت كذلك على كتابة ركن يومي في "المحرر" بعنوان "بصراحة".

في أكتوبر 1964 عينت أستاذا للسلك الثاني ثانوي في ليسي مولاي عبد الله بالدار البيضاء. في يناير 1965 تم بناء وتجهيز ثانوية المقاطعة السادسة بالدار البيضاء (قريبا من ليسي مولاي عبد الله حيث كنت أدرس) فانتدبت إليها بصفتي قائم مقام مدير، ثم شاركت في الحركة الانتقالية فحصلت على منصب مدير لها بصفة رسمية.

على إثر حوادث مارس 1965 اعتقلت ضمن مجموعة من رجال التعليم ثم أطلق سراحي لفراغ الملف.

ساهمت في الإعداد لتأسيس النقابة الوطنية للتعليم واستعادة التضامن الجامعي المغربي.

في نوفمبر سنة 1966 قمنا، أحمد السطاتي ومصطفى العمري وأنا، بتأليف كتاب "دروس الفلسفة" لطلاب البكالوريا في جزأين: الجزء الأول في الأخلاق والميتافيزيقا، والثاني في مناهج العلوم وعلم الاجتماع وعلم النفس. ثم أردفناه في يناير 1967 بكتاب" الفكر الإسلامي ودراسة المؤلفات" حسب برنامج البكالوريا. وقد أقر الكتابان من طرف وزارة التعليم.  وفي سنة 1968 توليت، وأنا أستاذ بالجامعة، مهمة مفتش الفلسفة في التعليم الثانوي المعرب بالمغرب كله.

أكتوبر 1971 عينت أستاذا للتعليم العالي، بناء على حصولي على دكتوراه الدولة.

في سنة 1971 ظهر لي أول كتاب وهو أطروحتي لدكتوراه الدولة وقد طبعت بعنوان "العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي".

38- في سنة 1973 ظهر لي كتاب بعنوان "أضواء على مشكل التعليم". وهو في الأصل جملة مقالات كتبتها في مجلة "أقلام" المغربية بين يونيه 1972 ومارس 1973.

في خريف 1974 ساهمت في الإعداد للمؤتمر الاستثنائي للاتحاد وفي كتابة التقرير الإيديولوجي الذي توليت صياغته النهائية، وقد انتخبت في المؤتمر المذكور عضوا في المكتب السياسي (التفاصيل في الكتاب الثامن ص 43 وما بعدها).

في سنة 1976 ظهر لي كتاب: "مدخل إلى فلسفة العلوم: وهو جزآن. الأول بعنوان: "تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة"، والثاني بعنوان "المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي". وفي 1977 ظهر لي كتاب بعنوان "من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية". ثم في سنة 1980 صدر لي كتاب "نحن والتراث". ثم توالت كتبي بعد ذلك .

في 5 أبريل 1981 قدمت استقالتي من المكتب السياسي للمرة الأخيرة وصمدت أمام ضغوط الإخوان أعضاء المكتب السياسي وغيرهم، حتى صارت أمرا واقعا. منذ ذلك الوقت (أبريل 1981) انصرفت، انصرافا شبه كلي، إلى العمل الثقافي محتفظا في نفس الوقت بعلاقتي كما كانت من قبل مع الكاتب الأول للاتحاد (المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ثم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أمد الله في عمره) مع المساهمة بالكتابة في جريدة الحزب.

وفي سبتمبر 1997 أصدرت مع الأخوين محمد إبراهيم بوعلو وعبد السلام بن عبد العالي مجلة "فكر ونقد" التي توليت فيها مهمة رئيس التحرير.

أحِلْت على التقاعد ابتداء من أكتوبر 2002، بعد أن أمضيت في سلك التعليم خمسة وأربعين سنة خدمة، بصفتي رجل تعليم رسمي (أي من فاتح أكتوبر 1957 إلى 30 سبتمبر 2002).

مشروعه الفلسفي

جوهر المشروع الفلسفي للجابري هو إعادة قراءة التراث العربي/الإسلامي قراءة جديدة تسمح لنا بتحقيق الحداثة العربية من الداخل. ويعبر الجابري عن ذلك كما يلي،

كل ما نراه اليوم في وسائل الإعلام من بكاء ولطم، تجد له أحاديث منسوبة لجعفر الصادق ينسبها لعلي بن أبي طالب. بينما هذا الفكر، سواء لبس لباسا شيعيا أو صوفيا أو سنيا هو، كما بينت في بنية العقل العربي ، كله فكر هرمسي. نحن إذن في حاجة إلي الكشف عن الأصول الحقيقية لهذا الفكر. وعندما سنقوم بهذا النوع من الحفر والتنقيب في البنيات الفكرية، سنحقق التغيير المنشود والذي يمس صانعي الثقافة الشعبية ذاتها. هذه الثقافة الشعبية كما تبرز اليوم هي إيديولوجيا متخلفة لاستغلال الجماهير من طرف السيد، وعندما نقوم بفضح السيد ونكشف بأن سيادته مبنية علي الأوهام التي يؤمن بها هو الآخر، أو يعرف بأنها مزورة هذا لا يهم، فنحن نكشف الأسس التي يراد تركها خفية علي عامة الناس، وهذا يتطلب وقتا طويلا لأن الثقافة الشعبية هي أصعب ما يغير، هي عادات وأعراف لم تخضع للتفكير والنقد. فعندما نحفر عن جذورها ونكشف عنها آنذاك سيصبح التغيير ممكنا. (حوار صريح ومثير مع المفكر العربي محمد عابد الجابري)

ويتفق الدارسون على أن المقدمة التمهيدية لهذا المشروع هي كتابه المشهور "نحن والتراث"، ويشرح الجابري خصائص قراءته للتراث كما يلي،

هي "قراءة" وليست مجرد بحث أو دراسة لأنها تتجاوز البحث الوثائقي والدراسة التحليلية – بله "الأعمال" التجميعية – وتقترح صراحة، وبوعي، تأويلا يعطي للمقروء "معنى" يجعله في آن واحد، ذا معنى بالنسبة لمحيطه الفكري – الاجتماعي – السياسي، وأيضا بالنسبة لنا نحن القارئين. وهي "معاصرة" بالمعنيين معا:

- فمن جهة تحرص هذه القراءة على جعل المقروء معاصرا لنفسه على صعيد الإشكالية والمحتوى المعرفي والمضمون الأيديولوجي، ومن هنا معناه بالنسبة لمحيطه الخاص.

- ومن جهة أخرى تحاول هذه القراءة أن تجعل المقروء معاصرا لنا، ولكن فقط على صعيد الفهم والمعقولية، ومن هنا معناه بالنسبة لنا نحن. إن إضفاء المعقولية على المقروء من طرف القارئ معناه نقل المقروء إلى مجال اهتمام القارئ، الشيء الذي قد يسمح بتوظيفه من طرف هذا الأخير في إغناء ذاته أو حتى في إعادة بنائها.

جعل المقروء معاصرا لنفسه معناه فصله عنا.. وجعله معاصرا لنا معناه وصله بنا.. قرءتنا تعتمد إذن، الفصل والوصل كخطوتين منهجيتين رئيسيتين. (نحن والتراث، ص11).

هذه القراءة الخاصة تطورت إلى ما أسماه الجابري في سلسته تحت اسم "نقد العقل العربي"، والتي كونت جوهر مشروعه الفلسفي بعنوان "تكوين العقل العربي"، "بنية العقل العربي"، "العقل السياسي العربي"، و "العقل الأخلاقي العربي". 

فلسفته

في هذا الإطار يمكن القول بأن فلسفة الجابري هي فلسفة "نقدية" موضوعها النقدي هو "التراث" باعتباره نتاجا للعقل العربي/الإسلامي، وهدفها هو "تحديث" هذا التراث وعقلتنه بحيث يكون صالحا للارتكاز عليه لإنتاج عملية الحداثة العربية المعاصرة. يعبر الجابري عن مفهومه للنقد كما يلي،

على أي حال و كما هو معروف، فقد رددت مرارا وتكرارا أن [نقدي] هو نقد فلسفي معرفي بالمعنى الذي يحيل إلى علم فلسفة المعرفة الحديث؛ و هذا يعني أنه علم نقد أنساب معرفية يقترح الكشف عن أسس تراثنا الثقافي، و تحليل الأهمية المعرفية لجميع أنواع المعارف، و ذلك في إطار علوم الفقه و علم الكلام ، و كذلك علوم الفلسفة و علوم التاريخ، الخ. النقد الفلسفي المعرفي يكمن في تحليل النظام المعرفي في جميع المجالات؛ أي الأسس المعرفية للخطاب اللاهوتي العلمي الحديث. (حوار مع محمد عابد الجابري)

والنتيجة المطلوبة من عملية النقد هي إعادة العقلنة  الرشدية التي هاجرت إلى الغرب إلى موطنها الأصلي في الشرق، ويتضح ذلك بتعبير الجابري كما يلي،

فكرة ابن رشد كانت تنبني على أن العقلانية النقدية التي نشأت في الأندلس، أي في أحضان الثقافة العربية الإسلامية، لكن ما جرى تاريخيا هو أن هذه المدرسة الفكرية هاجرت نحو الغرب. بعد ابن رشد بدأ الانحطاط في المشرق، و في الأندلس، و في المغرب، و في ديار الإسلام، لكن المستقبل الذي تشوق إليه ابن رشد تحقق في أوروبا في القرن الثاني عشر؛ أي مع بداية عصر النهضة.

و جنبا إلى جنب مع سبينوزا و كانط و غيرهم، تبوأ ابن رشد مكانا سامقاً في الثقافة الأوروبية عبر القرنين السابع عشر و الثامن عشر و حتى القرن الـتاسع عشر. وأعتقد أن هذا المستقبل الذي لم يتحقق للثقافة العربية الاسلامية يجب أن تعاد ولادته من جديد، و هذا يعني أن مستقبل الثقافة العربية الإسلامية و مرتكزاتها (الفكرية) يجب أن يكون “رشدياً”؛ أي منفتحاً، كما كان ابن رشد. (حوار مع محمد عابد الجابري)

منهجه

يطرح الجابري تصوره العمومي للمنهج الواجب اتباعه كما يلي،

إن تأسيس الحداثة فينا وعندنا يتطلب إعادة الانتظام في تراثنا، إعادة بناء علاقتنا به بصورة حداثية: إن الحداثة تبدأ باحتواء التراث وامتلاكه لأن ذلك وحده هو السبيل إلى تدشين سلسلة "القطائع" معه، إلى تحقيق تجاوز عميق له إلى تراث جديد نصنعه، تراث جديد فعلا، متصل بتراث الماضي على صعيد الهوية والخصوصية منفصل عنه على صعيد الشمولية والعالمية.   (حوار الشرق والغرب).

ويتحدث الجابري بشكل أكثر تفصيلية عن منهجه في قراءة التراث في الفصل الأول من كتابه نحن والتراث، ويظهر من ذلك أنه اعتمد عدة مناهج في ذات الوقت.

ومنها مفهوم القطيعة الإبيستيمولوجية كما ظهر في الفكر الغربي، ولكن الجابري يستخدمه هنا بشكل جزئي، وبتعبيره هو يستخدمه بشكل إجرائي، ضمن خطوة الفصل في عملية الفصل والوصل مع التراث. كما يعتمد على القراءة الموضوعية للتراث بمعزل عن الجوانب الإيديولوجية السابقة، من خلال

 "تجنب قراءة المعنى قبل قراءة الألفاظ، الألفاظ كعناصر في شبكة من العلاقات لا كمفردت مستقلة بمعناها" ويضيف "يجب التحرر من الفهم المبنء على أسس تراثية ورغبات حاضرة من أجل التوصل إلى أمر ضروري يكمن في استخراج معنى النص من ذات النص، أي من خلال العلاقات القائمة بين أجزاؤه...من شأن هذه الطريقة في التعامل مع النص أن تحرر الذات من هيمنة النص التراثي، وذلك من خلال إخضاعه لعملية تشريح دقيقة تحوله إلى موضوع لهذه الذات إلى مادة مقروءة، إن في ذلك خطوة منهجية مهمة من أجل السير نحو مزيد من الموضوعية والقراءة العلمية. وتتضمن هذه الخطوة ثلاث عمليات، 1- المعالجة البنيوية، 2- التحليل التاريخي، 3- الطرح الإيديولوجي (نحن والتراث، ص 23-25)

.بعد ذلك تأتي مشكلة الاستمرارية، اي وصل القارئ بالمقروء، ويتم هنا الاعتماد على الحدس للوصول إلى ما مسكوت عنه أو ما مضنون به على غير أهله، كما يتم ذلك من خلال منظور عام أو رؤية عامة، أو ما يسميه الجابري منطلقات القراءة. ويبين أن الرؤية تؤطر المنهج، تحدد له أفقه وأبعاده، والمنهج يغني الرؤية ويصححها.  ويوضح الجابري عناصر هذه الرؤية التي تتمثل في أ- وحدة الفكر.. وحدة الإشكالية، ب- تاريخية الفكر: الحقل المعرفي والمضمون الإيديولوجي، ج- الفلسفة الإسلامية قراءات لفلسفة أخرى. (نحن والتراث ص 26-30)

نقد العقل العربي

طبقا لذلك يكون موضوعنا هو قراءة التراث الفكري العربي الإسلامي (بمعنى الكشف عن بنيته الفكرية وآلياته المنهجية وعلاقاته بمحيطه الثقافي والأيديولوجي). وفي إطار  ما نطرحه في هذا العمل من تعريف لمنهجية الفصل والوصل، يصبح القارئ هو الجانب الذاتي، ويصبح التراث الفكري هو الجانب الموضوعي، وتصبح العلاقة بينهما عملية القراءة.

1 -     القضية المشتركة (الكشف عن آليات الفكر ذو الطبيعة الدينية/العقلية في التراث العربي الإسلامي القديم)

القضية التي يطرحها الجابري أعلاه تمثل قضية مشتركة لأنها يمكن تحليلها إلى قضيتين. الأولى هي القراءة الموضوعية للتراث، بدون إسقاط تصوراتنا الذاتية وانحيازاتنا الأيديولوجية. وهذا يثير قضية المعيار الذي يمكن استخدامه للوصول للقراءة الموضوعية. والثانية هي استخدام القراءة الموضوعية للوصول إلى تصور متكامل للبنية الفكرية والآليات المعرفية للتراث بناء على النظرة الذاتية والظروف المعاصرة  لعملية القراءة. وهذا يثير السؤال عن حدود الرؤية الذاتية وارتباطها بالجانب الموضوعي للقراءة. وطبقا لمنهج الفصل والوصل الإجابة على هذان السؤالان أن الذي يضمن حدود الجانبين هو ابتكار علاقة رابطة بين الجانبين تحقق ما هو مطلوب من كليهما.

يستهل الجابري معالجته للموضوع بتقديم مبررات القضية المطروحة كما يلي،

"يتناول هذا الكتاب موضوعا كان يجب أن ينطلق القول فيه منذ مائة سنة. إن نقد العقل جزء أساسي وأولي من كل مشروع للنهضة. ولكن نهضتنا العربية  الحديثة جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى،  ولعل ذلك من أهم عوامل تعثرها المستمر إلى الآن. وهل يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟" (تكوين العقل العربي: 5). ثم يبين أقسام المشروع، "وهكذا  انقسم المشروع إلى جزأين منفصلين ولكن متكاملين: جزء يتناول "تكوين العقل العربي"، وجزء يتناول تحليل "بنية العقل العربي". الأول يهيمن فيه التحليل التكويني والثاني يسود فيه التحليل البنيوي" (تكوين العقل العربي:5-6). ويضيف الجابري، "ما سنهتم به في هذا الكتاب ليس الأفكار ذاتها، بل الأداة المنتجة لهذه الأفكار" (تكوين العقل العربي:11).

يلي ذلك تحديد القضية واختيار عنوان "العقل العربي" لها، كما يلي،

"نستطيع الآن أن نحدد مفهوم "العقل العربي" كما سنتناوله بالتحليل والفحص في هذه الدراسة، تحديدا أوليا، فنقول: أنه ليس شيئا آخر  غير هذا "الفكر" الذي نتحدث عنه: الفكر بوصفه أداة للإنتاج النظري صنعتها ثقافة معينة لها خصوصيتها، هي الثقافة العربية". ويضيف، "إن وجهتنا الوحيدة هي التحليل "العلمي" لـ"عقل" تشكل من خلال إنتاجه لثقافة معينة، وبواسطة هذه الثقافة نفسها: الثقافة العربية الإسلامية. وإذا وضعنا كلمة "العلمي" بين مزدوجتين، فذلك إقرارا منا منذ البداية بأن هذا البحث لا يمكن أن يكون علميا بنفس الدرجة من العلمية التي نجدها في البحوث الرياضية أو الفيزيائية".(تكوين العقل العربي:13).

2     -القضية الموضوعية (طبيعة وآليات الفكر العربي الإسلامي)

الخطوة الأولى طبقا لمنهج الفصل والوصل هي "الموضوعية"، أي فصل العناصر الذاتية عن الموضوع. وفي القضية التي يطرحها الجابري يترجم ذلك في قراءة "موضوعية للتراث"، يعبر عن ذلك الجابري كما يلي،

لقد استبعدنا مضمون الفكر العربي – الآراء والنظريات والمذاهب وبعبارة عامة الأيديولوجيا – من مجال اهتمامنا وحصرنا محاولتنا هذه في المجال الإيبيستيمولوجي وحده". وبشكل أكثر تحديدا، "إن ما نقصده بـ"العقل العربي" هو العقل المكوَّن، أي جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة، أو لنقل: تفرضها عليهم كنظام معرفي (تكوين العقل العربي:14-15).

ويضيف بعد ذلك،

"إذا نحن أردنا ن نبدأ الحديث عن "العقل العربي" من حيث انتهى حديثنا عن العقل اليوناني الأوروبي، فإن سيكون علينا أن نلاحظ أولا أن ما يميز "العقل العربي" بوصفه عقل الثقافة العربية الإسلامية، هو أن العلاقات داخله تتمحور حول ثلاثة أقطاب: الله، الإنسان، الطبيعة.  وإذا أردنا تكثيف هذه العلاقة حول قطبين اثنين فقط، كما فعلنا بالنسبة للعقل اليوناني – الأوروبي، وجب أن نضع في أحدهما الله، وفي الآخر الإنسان. اما الطبيعة فلا بد ، في هذه الحالة، من تسجيل غيابها النسبي لربما بنفس الدرجة التي سجلنا بها غياب الله في بنية العقل اليوناني – الأوروبي" (تكوين العقل العربي:29).

واستكمالا للاستعراض الموضوعي لخصائص التراث العربي الإسلامي، بخصوص الجانب الأخلاقي والقيمي في التراث يعلق الجابري،

"ولكن فرق كبير بين الاتجاه من المعرفة إلى الأخلاق والإتجاه من الأخلاق إلى المعرفة. في الحالة الأولى، وهي حالة الفكر الأوروبي، تتأسس الأخلاق على المعرفة، أما في الحالة الثانية، حالة الفكر العربي، فتتأسس المعرفة على الأخلاق. إن المعرفة هنا في حالة الفكر العربي، ليست اكتشافا للعلاقات التي تربط ظواهر الطبيعة بعضها ببعض، ليست عملية يكتشف العقل نفسه من خلالها في الطبيعة، بل هي التمييز في موضوعات المعرفة (حسية كانت أو إجتماعية) بين الحسن والقبيح، بين الخير والشر. ومهمة العقل ووظيفته، بل وعلامة وجوده، هي حمل صاحبه على السلوك الحسن ومنعه من إتيان القبيح. " (تكوين العقل العربي:30).

على هذا الأساس ينصرف الجابري لوضع صورة موضوعية متكاملة للتراث الفكري العربي الإسلامي في القسم الأول من المشروع، وهو "تكوين العقلي العربي"، وبنهايته تكون المادة الموضوعية جاهزة للمعالجة الذاتية. ومن أجل تحقيق الخطوة التالية يحتاج الجابري إلى المعيار الذي سوف تتشكل من خلاله علاقة الذات بالموضوع حتى لا تتحول قراءته إلى قراءة ذاتية صرف.

3     -العلاقة الرابطة (مفهوم العقلانية البرهانية)

اختار الجابري أن يكون معيار العلاقة بين الذات والموضوع (أي بين القارئ والمقروء) هو الفكر الغربي الحديث والمعاصر. ويبين ذلك في النص التالي،

"ننتقل الآن إلى الخطوة التالية على سلم المقاربات الأولية لموضوع دراستنا: "العقل العربي". يتعلق الأمر هذه المرة باستثمار المقارنة مع "العقل اليوناني" و"العقل الأوروبي" الحديث والمعاصر" (تكوين العقل العربي: 17).

يطرح الجابري أسباب هذا الاختيار متمثلة في التماهي بين العقل والطبيعة، كما يلي،

في الفكر اليوناني القديم يبين أن "الطبيعة  بأسرها – في نظر أرسطو، قمة الفلسفة اليونانية – قابلة لأن يتعقلها العقل على الرغم مما يكتنفها من غموض. ذلك لأن العقل – بمعنى النظام – هو أساسها، ولأن من ينظر إليها بعين العقل لا يرى فيها إلا العقل. ومن هنا كان العقل في التصور اليوناني الأرسطي هو "إدراك الأسباب". ويضيف، كذلك في الفكر الأوروبي الحديث، "في الاتجاه نفسه سارت الفلسفة الحديثة في أوروبا... لقد بقي الفكر الأوروبي الحديث، رغم كل ثوراته على "القديم" متمسكا بفكرة "العقل الكوني" متصورا إياه على أنه "القانون المطلق للعقل البشري". وسواء نظر إلى هذا العقل على أنه قائم بذاته مستقل عن فكرة الله، أو نظر إليه على أنه هو الله ذاته، فإن العلاقة بينه وبين نظام الطبيعة تبقى هي هي: إنها المطابقة، أو على الأقل المساوقة. (تكوين العقل العربي: 20). أما بخصوص التطورات المعاصرة في الفكر الغربي يقرر،

"وإذا نحن شئنا الدقة أكثر – بالاستناد على التصور العلمي المعاصر لحقيقة العقل – قلنا مع جول أولمو: ليست القواعد التي يعمل بها العقل هي التي تحدده وتعرفه، بل قدرته على استخلاص عدد لانهائي منها هي التي تشكل ماهيته. والعقلانية بهذا الاعتبار، تغدو، ليس الإيمان بمطابقة مبادئ العقل مع قوانين الطبيعة وحسب، بل الاقتناع بكون النشاط العقلي يستطيع بناء منظومات تتسع لتشمل مختلف الظواهر. وبما أن التجربة هي وحدها التي بإمكانها أن تفصل في مسألة المطابقة التي أصبحت تعني التحقق تجريبيا، فإن العقلانية المعاصرة هي عقلانية تجريبية وليست عقلانية تأملية كما كان الشأن من قبل" (تكوين العقل العربي: 25).

ينتهي الجابري إلى صورة عامة للفكر الغربي عبر تاريخه تعبر عن جوهر هذا الفكر،

"إنه على الرغم من التطور الهائل الذي عرفه العقل الغربي منذ هيراقليطس إلى اليوم فإن هناك ثابتين اثنين ينتظمان خط سير ذلك التطور، ويحددان بالتالي بنية العقل في الثقافة الإغريقية الأوروبية. هذان الثابتان هما: أ- اعتبار العلاقة بين العقل والطبيعة علاقة مباشرة من جهة، ب- والإيمان بقدرة العقل على تفسيرها والكشف عن أسرارها من جهة  ثانية. الثابت الأول يؤسس وجهة نظر في الوجود، والثابت الثاني يؤسس وجهة نظر في المعرفة، ولهذا فقط فصلنا بينهما. أما في الواقع فهما يشكلان معا ثابتا بنيويا واحدا قوامه تمحور العلاقات في بنية العقل الذي نتحدث عنه حول محور واحد قطباه: العقل والطبيعة. (تكوين العقل العربي:27).

ثم يقرر بناء على ذلك أن هذه الصورة العامة لجوهر الفكر الغربي هي المعيار الذي ستتم من خلاله مقارنة ما يتم رصده للصورة الموضوعية للفكر العربي، قبل إنشاء بنيتها وآلياتها وعلاقاتها انطلاقا من التصورات الذاتية. يقرر ذلك الجابري كما يلي،

"ونحن نعتقد – وهذا ما سنبينه لاحقا – أن الثقافة العربية، وبعبارة أدق: الموضوع الذي تعاملت معه الفعالية الذهنية لمفكري الإسلام، موضوع ذو خصائص مميزة تختلف عن خصائص الموضوع الذي تعاملت معه الفعالية الذهنية لمفكري اليونان وفلاسفة أوروبا، وبالتالي فإن القواعد التي استخلصتها الفعالية الفكرية العاملة داخل الثقافة العربية الإسلامية ستكون مختلفة عن القواعد التي شكلت جوهر العقل اليوناني والعقل الأوروبي. وإذن فنحن عندما نستعمل عبارة "العقل العربي" فإنما نستعملها من منظور علمي نتبنى فيه النظرة العلمية المعاصرة للعقل." (تكوين العقل العربي:26). 

4     - القضية الذاتية (أن الفكر العربي يرتكز على ثلاثة أساليب منفصلة للمعرفة)

بتحديد معيار للعلاقة الرابطة بين الذات والموضوع (أي القارئ والمقروء) متمثلة في "النظرة العلمية الغربية المعاصرة للعقل"، يصبح ممكنا للجابري إنشاء رؤيته "للعقل العربي" انطلاقا من أسس موضوعية. يستهل الجابري ذلك بطرح رؤيته الكلية "للعقل العربي" متمثلة في أنه تحكمه نظرة غير موضوعية للأشياء، وذلك كما يلي،

"إن المعطيات السابقة تجعلنا، من الناحية المبدأية على الأقل، في وضع يسمح لنا بالقول أن "العقل العربي" تحكمه النظرة المعيارية إلى الأشياء. ونحن نقصد بالنظرة المعيارية ذلك الاتجاه في التفكير الذي يبحث في الأشياء عن مكانها وموقعها في منظومة القيم التي يتخذها ذلك التفكير مرجعا له ومرتكزا. وهذا في مقابل النظرة الموضوعية التي تبحث في الأشياء عن مكوناتها الذاتية وتحاول الكشف عما هو جوهري فيها. إن النظرة المعيارية نظرة اختزالية، تختصر الشيء في قيمته، وبالتالي في المعنى الذي يضفيه عليه الشخص (والمجتمع والثقافة) صاحب تلك النظرة. أما النظرة الموضوعية فهي نظرة تحليلية تركيبية تحلل الشيء إلى عناصره الأساسية لتعيد بناؤه بشكل يبرز ما هو جوهري فيه" (تكوين العقل العربي: 31-32).

وفي نهاية الاستعراض الموضوعي "للعقل العربي" في الجزء الأول من المشروع وهو "تكوين العقل العربي"، يعرض الجابري ناتج قراءته الموضوعية المتمثل في تقسيمه الثلاثي إلى علوم العرفان، وعلوم البيان، وعلوم البرهان. يعبر الجابري عن ذلك كما يلي،

"هكذا أمكن تصنيف العلوم وجميع نواع المعارف في الثقافة العربية الإسلامية إلى ثلاث مجموعات: بيان من نحو وفقه وكلام وبلاغة ويؤسسها نظام واحد يعتمد قياس الغائب على الشاهد كمنهاج في إنتاج المعرفة، وما أسميناه بـ"المعقول الديني العربي"، المقيد بالمجال التدوالي الأصلي للغة العربية، كرؤية واستشراف. وعلوم العرفان من تصوف وفكر شيعي وفلسفة اسماعيلية وتفسير باطني للقرآن وفلسفة إشراقية وكيمياء وتطبب وفلاحة نجومية وسحر وطلسمات وعلم تنجيم..الخ ويؤسسها نظام معرفي يقوم على "الكشف والوصال" والتجاذب والتدافع" كمنهاج، وعلى ما أسميناه بـ"اللامعقول العقلي" – أعني الذي ينسب إلى العقل لا إلى الدين والذي كرسته الهرمسية – كرؤية استشراف. وأخيرا علوم البرهان من منطق ورياضيات وطبيعيات بفروعها المختلفة وإلهيات، بل ميتافيزيقا، ويؤسسها نظام معرفي واحد يقوم على الملاحظة التجريبية والاستنتاج العقلي كمنهج، وعلى ما دعوناه بـ"المعقول العقلي" 0 أعني المعرفة العقلية المؤسسة على مقدمات عقلية – كرؤية واستشراف. (تكوين العقل العربي:334).

في  الجزء الثاني من المشروع وهو "بنية العقل العربي" يحلل الجابري تفصيليا كل من تلك الأنظمة المعرفية الثلاث ويقرر سيطرة علوم البيان واضمحلال علوم البرهان مع بقاء موازي لعلوم العرفان والاستبعاد المبدأي للعلوم الطبيعية. وهذا أنتج سيطرة سلطات ثلاث على العقل العربي كما يلي،

"يتضح مما سبق، إذن، أن السلطات الثلاث، سلطة اللفظ وسلطة الأصل بنوعيه وسلطة التجويز، تشكل بتشابكها وتداخل العلاقات بينها بنية واحدة هي ما دعوناه بالبنية المحصَّلة من النظم المعرفية المؤسسة للثقافة العربية الإسلامية، وبعبارة واضحة: بنية العقل المكوَّن داخل هذه الثقافة، العقل العربي. وهكذا فالفقيه أو النحوي أو المتكلم أو الناقد البلاغي أو "العارف" أو العرفاني أو غير هؤلاء ممن تكون عقلهم داخل الثقافة العربية وحقولها المعرفية يخضعون في تفكيرهم، بهذه الصورة أو تلك وبهذه الدرجة أو تلك، لسلطة اللفظ وسلطة السلف القياس وسلطة التجويز، وذلك إلى درجة يصح معها القول: إن العقل العربي عقل يتعامل مع الألفاظ أكثر مما يتعامل مع المفاهيم، ولا يفكر إلا انطلاقا من أصل أو انتهاء إليه أو بتوجيه منه، الاصل الذي يحمل معه سلطة السلف إما في لفظه أو في معناه، وأن آليته، آلية هذا العقل، في تحصيل المعرفة – ولا نقول في إنتاجها – هي المقاربة (أو القياس البياني) والمماثلة (أو القياس العرفاني) وأنه في كل ذلك يعتمد التجويز كمبدأ، كقانون عام يؤسس منهجه في التفكير ورؤيته للعالم" (بنية العقل العربي: 564)

نقد نقد العقل العربي

 قوبل مشروع نقد العقل العربي بأنواع مختلفة من النقد منها ما هو موضوعي ومنها ما هو أيديولوجي. كان أهم أوجه النقد الذي وجه لمشروع الجابري هو تقسيمه للفكر العرفاني في المشرق مقابل الفكر البرهاني في المغرب، وتمثل ذلك في ردود   مفكرين من المشرق مثل الطيب تيزيني، مطاع صفدي، أحمد البرقاوي، وآخرين إضافة إلى جورج طرابيشي الذي خصص مشروع مقابل بعنوان "نقد نقد العقل العربي". كذلك وجه إليه نقد برفض فكرة وجود عقل عربي وآخر غير عربي من قبل عبد القادر بوعرفة وهشام غصيب. إضافة إلى ردود علي حرب وطه عبد الرحمن وكمال عبد اللطيف وابراهيم محمود وحسام الألوسي وحسن حنفي (بين نقد العقل العربي ورفده، ص  117).

موقفه من مستقبل الدولة العربية

يرى الجابري أن مناقشة الكيفية التي يجب أن يتحدد بها نظام الدولة يجب أن تكون من خلال مفاهيم لها وضوح وارتباط بتاريخ وتراث الدول العربية المعاصرة، وانطلاقا من ذلك يرى ضرورة استبعاد مفهوم العلمانية من هذا النقاش باعتباره مفهوم غير واضح وملتبس، كما يلي،

مسألة العلمانية مسألة مزيفة، بمعنى أنها تعبر حاجات بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات: إن الحاجة اليوم إلى الديمقراطية التي تحترم حقوق الأقليات والحاجة إلى الممارسة العقلانية للسياسة هي حاجات موضوعية فعلا، إنها مطالب معقولة وضرورية في عالمنا العربي، ولكنها تفقد معقوليتها وضروريتها بل ومشروعيتها عندما يعبر عنها بشعار ملتبس كشعار العلمانية. ويضيف، وفي نظري أن المشكل الجوهري هو "شكل الدولة"، وفيما يلي مجمل لوجهة نظري في الموضوع: 1- أري ان الإسلام دنيا ودين، وأنه قد أقام دولة منذ زمن الرسول (صلعم) وأن هذه الدولة توطدت أركانها زمن أبي بكر وعمر. وإذن فالقول بأن الإسلام دين لا دولة هو في نظري قول يتجاهل التاريخ. 2- انا مقتنع تماما بأن الإسلام، الذي هو دين ودولة في آن واحد، لم يحدد لا بنص قرآني ولا بحديث نبوي الشكل الذي يجب أن تكون عليه الدولة فيه وإنما ترك المسألة لاجتهاد المسلمين، فهي من جنس الأمور التي يصدق عليها قول الرسول عليه السلام "أنتم أدرى بشئون دنياكم". (حوار الشرق والغرب).

أعماله

 1-  العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي 1971 . وهو نص أطروحتي لدكتوراه الدولة في الفلسفة والفكر الإسلامي كلية الآدابب جامعة محمد الخامس- الرباط 1970، وكانت بعنوان : "علم العمران الخلدوني: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي"

2- أضواء على مشكل التعليم بالمغرب 1973. *

3–  مدخل إلى فلسفة العلوم : جزآن 1976

- الأول: تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة.

- الثاني : المنهاج  التجريبي وتطور الفكر العلمي)

4- من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية  1977. *

5- نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي 1980. (ترجم إلى الإسبانية). طبعة جديدة (العاشرة) مع إضافة 2006

6- الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية  1982 (ترجم إلى التركية)

7- تكوين العقل العربي. 1984. (ترجم إلى التركية، وتحت الترجمة إلى الفرنسية).

8- بنية العقل العربي:  1986. (ترجم إلى التركية وتحت الترجمة إلى الفرنسية).

9- السياسات التعليمية في المغرب العربي 1988. *

10- إشكاليات الفكر العربي المعاصر 1988.

11- المغرب المعاصر: الخصوصية والهوية.. الحداثة والتنمية  1988. *

12- العقل السياسي العربي : 1990 (ترجم إلى التركية والفرنسية والإندونيسية).

13- حوار المغرب والمشرق : حوار مع د. حسن حنفي  1990 *

14- التراث والحداثة: دراسات ومـناقشات 1991.

15- مقدمة لنقد العقل العربي  نصوص مترجمة إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان:

Introduction à la critique de la Raison arabe*  : traduit de l’arabe et présenté par Ahmed Mahfoud et Marc Geoffroy, éd. La Découverte.   Paris.   1994

          (ترجم إلى الإيطالية والإنجليزية والبرتغالية، والإسبانية والترجمة إلى اليابانية والإندونيسية).

16- المسألة الثقافية  1994.

17- المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية، محنة ابن حنبل و نكبة ابن رشد 1995.

18- مسألة الهوية : العروبة والإسلام ... والغرب  1995.

19- الدين والدولة وتطبيق الشريعة 1996. (ترجم إلى الكردية، كردستان العراق. الترجمة اإنجليزية تحت الطبع).

20- المشروع النهضوي العربي  1996.

21- الديموقراطية وحقوق الإنسان 1997.

22- قضايا في الفكر المعاصر 1997.:(العولمة، صراع الحضارات، العودة إلى الأخلاق، التسامح، الديموقراطية ونظام القيم، الفلسفة والمدينة)

23- التنمية البشرية والخصوصية السوسيوثقافية : العالم العربي نموذجا.  1997 (نشر الأمم المتحدة، الإيسكوا،  ترجم إلى الإنجليزية) *

24- وجهة نظر : نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر 1997.

25- حفريات في الذاكرة، من بعيد (سيرة ذاتية من الصبا إلى سن العشرين) 1997.

26- الإشراف على نشر جديد لأعمال ابن رشد الأصيلة مع مداخل ومقدمات تحليلية وشروح الخ  1997 - 1998

- فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال.

- الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة.

- تهافت التهافت.

-  كتاب الكليات في الطب.

-  الضروري في السياسة: مختصر سياسة أفلاطون

27- ابن رشد: سيرة وفكر 1998.

28- العقل الأخلاقي العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية. 2001.

29- سلسلة مواقف * (سلسلة كتب في حجم كتاب الجيب: انظر الصفحة الأولى)

30 - في نقد الحاجة إلى الإصلاح   سبتمبر 2005

31- مدخل إلى القرآن.  سبتمبر 2006

32- فهم القرآن: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول  مارس 2008

 الجوائز والأوسمة

حصل الجابري على العديد من الجوائز، منها:

مقالات

حوارات:

مقالات عنه

الجابري بعد مرور ربع قرن على تشريح العقل العربي – علاء الدين الأعرجي

المصادر:

الصفحة الرسمية منبر الدكتور محمد عابد الجابري

معرفة

    

تحرير سمير أبو زيد

 

 

عودة إلى معاصرون