الدكتور محمد وقيدي (1946 - 7 أغسطس 2020) هو كاتب ومفكر وأستاذ جامعي مغربي، يرتكز على فلسفة العلوم ويدافع عن أهمية مشاركة الفكر الفلسفي العربي في تأسيس عقلانية جديدة تقدم حلول لمشكلات العالم الثالث في إطار عقلانية إنسانية شاملة.
حياته
حصل وقيدي سنة 1979 على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. أمْضى سنوات تعلمه، من الطور الابتدائي إلى التعليم الجامعي، في عدة مؤسسات، بأكثر من مدينة مغربية، إلى أنْ عُيِّن أستاذاً للفلسفة في الثانوي التأهيلي؛ وقد كانت تجربة التدريس بالثانوي مهمة ومؤثرة في مساره المِهْني والعلمي حيث قضى أعواماً قبل أن ينتقل إلى التدريس بكلية الآداب، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، والتي ظل فيها يدرّس الفلسفة والابستمولوجيا وموادّ أخرى إلى أنْ بلغ سنّ التقاعد الإداري عن العمل.
وكانت لوقيدي مشاركاتٌ عديدة في ندوات ومُلتقيات علمية وفكرية داخل المغرب وخارجه. والرجل، كذلك، عضوٌ في «الجمعية الفلسفية العربية»، و»الجمعية الفلسفية المغربية»، وفي جمعيات ثقافية وعلمية أخرى. كما أدْرِجت ترجمته ضمن الموسوعة الفلسفية الألمانية…
تأثر محمد وقيدي، خلال مسيرته العلمية، بعددٍ من المفكرين الغربيين والعرب، ولعل من أبرزهم الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار (G. Bachelard)، الذي أعدّ عن فلسفته في المعرفة كتابا خاصّا يعدّ أول الكتب التي صدرت للباحث، ومُواطِنَه جان بياجيه (J. Piaget)، الذي اشتغل على اجتهاداته في الابستمولوجيا التكوينية في إطار بحْثٍ أكاديمي لنيل شهادة جامعية عُليا؛ ذلك أن بياجي كان يُعتَبر من مؤسّسي علم النفس الحديث، وهو الذي كان يُقدَّم على أنه صاحب الأرضية النظرية لعلم نفس النمو وعلم النفس الارتقائي وعلم نفس الطفل. بيد أن وقيدي عمل على تقديم بياجي بكونه فيلسوفاً وصاحبَ مشروع ابستمولوجيا لتنظيم العلوم. وما نظرية النمو المعرفي إلا صيغة لمنظوره في تطور العلوم، وهو ما عَمَد إلى التعبير عنه في مؤلَّفه الأول في هذا السياق «النمو العقلي والتطور المعرفي: وجهة النظر التكوينية»؛ بحيث اشتغل وقيدي على تقديم مسعى بياجي للمهتمّ العربي، طالبا وباحثاً، في كونه يتمثل في تنظيم المعرفة على أسس جديدة، من حيث كونُها تستند إلى مطابقة الواقع. (محمد وقيدي.. شذرات من سيرته)
موقفه الفلسفي
يطرح محمد وقيدي موقفه من ضرورة مساهمة الفكر العربي المعاصر في تأسيس عقلانية إنسانية جديدة في مؤلفه "بناء النظرية الفلسفية"، وذلك حسب المنطق التالي. أولا، مفهومه للعقلانية هي تلك التي تتفق مع الوقائع، كما يلي،
لن يتعلق بحثنا بالمقولات التي تسمح للعقل بإنتاج المعرفة، بل أنه سيتعلق بالأفكار التي تسمح للعقل الإنساني في العالم المعاصر بأن يقبل عددا من الوقائع والنظم والعلاقات والممارسات بوصفها أمرا معقولا.. (بناء النظرية الفلسفية ص 7).
وبناء على ذلك يرى وقيدي أن العقلانية الحداثية التي نشأت في عصر النهضة لتحقيق مقولات إنسانية قد انحرفت عن مسارها،
إن مطابقة العقل الكوني الإنساني في الوقت الراهن بين الواقع والمعقول، أي إضفاء العقلانية على المعقول بدلا من عقلنته، قد دفعت به إلى أن يقبل، كشيء معقول، عددا من مظاهر الاستلاب الإنساني.. إن ضغط الواقع القائم في المجتمع الإنساني المعاصر قد دفع بالعقل إلى أن يتراجع خطوات إلى الوراء عما كان قد أعلن عنه، كغاية له، في لحظة انبثاقه، وفي مراحل تطوره الأساسية. (بناء النظرية الفلسفية ص 8).
ثانيا، كان من اللازم معالجة هذا النقص في إطار موقف فلسفي إنساني بحيث يتطابق الفكر مع الواقع، فيقول،
إن الاتجاه الفلسفي الذي نفكر ضمنه ينطلق من العقلانية المثالية بالمعنى الذي حددناه في الفقرة السابقة. وذلك لأننا نرى في هذه العقلانية المثالية ما يجعل مهمة العقل إزاء الواقع هي المبادرة سواء بالتحليل وكشف عناصر اللامعقول في الواقع، من جهة، أو ببيان الآفاق التي ينبغي أن يتطور في اتجاهها الواقع، من جهة أخرى، لكي يكون مطابق لطموح الإنسان في مطابقة ذاته وفي السيادة على كل عناصر الواقع المحيطة به سواء كانت طبيعية أو مجتمعية... وميلنا إلى هذه العقلانية المثالية يفسره أيضا أننا نرى فيها الفلسفة الملائمة لواقع العالم الثالث، وهو واقع الطموح نحو تغيير النظام الاقتصادي والسياسي العالمي نحو صيغة أكثر عدالة بين دولة العالم. (بناء النظرية الفلسفية ص 9).
ويستعرض وقيدي بعض مشكلات الواقع التي أدت إلى هذه النتيجة،
فعن طريق ظاهرة الاستعمار تحقق الانفصال التدريجي بين العقل والقوة، لم تعد القوة تقدما في النظام السياسي والمجتمعي، وفي تسخير التقدم التكنولوجي لصالح الإنسان في حياته اليومية، بل أصبحت تحقيقا لذلك عبر استغلال طرف آخر والتحكم في مصيره. ولم يعد للمبادئ التي قامت عليها الثورة العلمية والمجتمعية المعاصرة معنى موضوعي. (بناء النظرية الفلسفية ص 14).
القضية الفلسطينية نموذج آخر للقضايا التي يفكر فيها العقل المعاصر ضمن جدل بين العقل والقوة تكون فيه القيمة الأساسية للقوة.. هذا القلب في العلاقة بين اللامعقول والمعقول يبدو في صورة أخرى واضحة في موقف كثير من البلدان التي كان من المفروض حسب واقعها أو حسب مبادئها أن تكون نصيرا لما هو مطابق للعقل: عودة الشعب الذي سلب وطنه إلى هذا الوطن. (بناء النظرية الفلسفية ص 18-20).
ويضيف وقيدي إلى القضية الفلسطينية، قضايا مثل استغلال موارد العالم الثالث، الميز العنصري –التناقض بين الإسراف في التسليح وعدم الاهتمام بما فيه الكفاية بالمجاعة التي تهدد جهات متزايدة في العالم. ونتيجة لهذه التناقضات تأتي الخطوة الثالثة والمتمثلة في أن مفكري العالم الثالث، ومنهم المفكرون العرب، يحتاجون إلى بذل الجهود نحو إعادة التوازن، حسب تعبيره بين العقل والواقع، وذلك كما يلي،
عندما يستعيد مفكرو العالم الثالث اليوم الفلسفة العقلانية فإن ما يبنون على أساسه موقفهم العقلاني هو العقلانية الأوروبية لعصر النهضة. إنهم يغفلون التناقضات التي نقلت هذه العقلانية من موقف يعطي العقل موقف المبادرة إلى عقلانية تجعل العقل مبررا لمعطيات القوة وخاضعا لها. وإنهم يتغافلون كذلك عن المشاكل التي عجزت هذه العقلانية عن استيعابها.. ونعتقد أن مفكري العالم الثالث المعايشين لأعمق مشاكل العالم المعاصر أكثر تأهيلا من غيرهم للمساهمة في تجديد هذه العقلانية.. إذا كانت العلاقة ضمن جدل العقل والقوة قد قلبت فإنها الآن في حاجة إلى قلب جديد. وإن القوى التي يمكن أن تقوم بهذا القلب الجديد هي التي توجد حيث يوجد من يعاني من التخلف والمجاعة، ومن يعاني من الحرمان من الوطن والميز العنصري. (بناء النظرية الفلسفية ص 23-24).
بعد تأسيس موقف إنساني عام من مفهوم العقلانية ينتقل وقيدي بشكل منطقي إلى الخطوة التالية، وهي دور الفكر العربي في تاسيس هذه العقلانية الجديدة. وتكون المهمة الأولى هي البحث في المنطلقات التي يمكن أن ينطلق منها، ويعبر عن ذلك كما يلي،
هدف هذا الفصل هو البحث في المنطلقات التي يمكن أن تنطلق منها فلسفة عربية معاصرة، لكي تصبح لأفكارها ونظرياتها قيمة موضوعية على صعيد الفكر الإنساني المعاصر.. ومن أهم النتائج التي نشير إليها أن التفكير الذي انبثق عن "الأنا أفكر" الأوروبي والغربي بصفة عامة قد أصبحت له قيمة شمولية على الصعيد العالمي، إن كل سؤال يطرحه الفكر الغربي لكي يتقدم به في تطوير المعرفة، وكل نقد يمارسه هذا الفكر على ذاته, وكل إعادة للنظر يقوم بها تغدو لها مباشرة قيمة عالمية، وتصبح بفضل عوامل كثيرة سؤالا له قيمته النظرية بالنسبة إلى الإنسانية المعاصرة بأكملها. (بناء النظرية الفلسفية ص 26).. ولكن إذا كان مسعى كل فلسفة هو أن تكون ذات قيمة شمولية، وإذا كانت الوسائل التي تساعد على تحقيق هذا المطلب تبدو اليوم أكثر منلا من أي عصر سابق فإن العالم المعاصر من جهة أخرى في حاجة إلى فلسفة شمولية بالصورة التي تكون بها هذه الصفة احتواء لكل مشاكل العالم المعاصر وتعبيرا ومحاولة لحلها بالصورة الأكثر موضوعية. (بناء النظرية الفلسفية ص 27).
في هذا الإطار تكون مهمة المفكر العربي كما يلي،
وبالنسبة إلى المفكر العربي، ومفكري العالم الثالث عموما، فإن الموضوعات التي تهتم بها الفلسفة المعاصرة قد تبرز الفلسفة في صورة التفكير المجرد. وبوصفهم فلاسفة يسعى المفكرون العرب إلى تناول قضايا الإنسان المعاصر بصفة عامة، ولكن بوصفهم فلاسفة يريدون الالتحام أكثر بواقهم. فقد سعوا إلى أن يكون هذا التفكير في الإنسان العام والمجرد إنطلاقا من إنسان عيني هو الإنسان العربي.. الوعي الفلسفي العربي، والثالثي عامة، يريد أن يكون وعيا جديدا، لا إستمرارا لوعي قديم، ونقطة انطلاق نحو شمولية جديدة، لا إستمرار لشمولية قبلية. ولا تتشكل هذه الإرادة من مجرد اختيار اعتباطي، ولكنها تقوم على أساس الوعي بالتناقضات الكامنة في الشمولية المدعاة من طرف الفكر الغربي الذي هيمن منذ قرون ولا تزال مظاهر هيمنته مستمرة. . (بناء النظرية الفلسفية ص 28).
ويضيف،
لقد قلنا بأن هنالك شروطا نظرية وأخرى عملية تكتسب من خلال الأفكار قيمتها الشمولية. وقد بينا في الفقرات السابقة أن الشروط النظرية تتركز في الإبداع الذي يتلخص، من جهة أولى، في إسهام المفكرين العرب في معالجة المشكلات الفلسفية لعصرهم، ومن جهة ثانية، في الاعتماد كنقطة إنطلاق جديدة على المشاكل التي أدى تطور الواقع العالمي منذ قرون إلى أن تظل على هامش النظريات الفلسفية الرائجة. أما الشروط العملية لاكتساب الأفكار قيمة شمولية فإنها تتركز لدينا في الوسائل التي تمكن الأفكار من الانتشار في كل جهات العالم. (بناء النظرية الفلسفية ص 31).
إنتاجه العلمي
مقالات
الإنسانية المختلفة – جريدة الصحراء
مقالات عنه
محمد وقيدي .. شذرات من سيرته، ووقفات مع مشروعه الفكري - د. فريد أمعضـشو
محمد وقيدي: شذرات من سيرة علمية حافلة - سعيد بوخليط
محمد وقيدي وهموم الفلسفة العربية – هاشم صالح
تحرير سمير أبو زيد