مقدمة البحث
هذه هي
النهاية
درج
التفكير "ما بعد الحداثي" على الرد بنوع من الشك على فكرة
المصادر. المصدر، كسبب أول أو أساس – الأرضية المتعالية التي
يجب أن تخضع لها كل الظواهر التالية – يحيي فكرة الإلوهية،
والتي يفترض أن قضي عليها "موت الإله". هذه المقاومة للمصادر
توافقت مع افتتان أكثر غموضا نحو "النهايات". نهايات ما بعد
الحداثيين ليست متقنة جدا كما يقترح المصطلح، على كل حال. هي
شائكة ومتمردة، على الأقل تضع حدا لأنواع معينة من الممارسات
والأدوات؛ على الأكثر، هذه الأخيرة [أي الممارسات والأدوات]
تعتبر مغالطة، غير محتملة، "لم تعد ممكنة".
مثال واضح على هذه
الروح هو الإعلان الخطابي الذي يبدو انتحاريا لنهاية الفلسفة.
عندما تفاعلت الفلسفة بشكل مباشر مع "ما بعد الحداثة" – دعنا
نسمي النتيجة، في الوقت الحالي، الفلسفة الأوروبية ما بعد
النيتشوية (post-Nietzschean)
– أنتجت نوع من التفكير يخلص إلى ظلال موتها هي، وبشكل إجباري
يستشرف أفولها هي. ولكن على العكس من إلغاءات "ما بعد
الحداثيين" الأخرى – "إنهاء" الوجود السلطوي والأيديولوجيا،
على سبيل المثال – إرجاء تنفيذ حكم الإعدام كان مضمونا في نفس
الوقت الذي كان فيه حكم الموت قد أعلن. وهو ما يعني القول،
بصحبة الإنهاء كانت إمكانية التجديد، إيجاد طرق جديدة
لاستخدامات التفكير الفلسفي. مع تركيز الانتباه على شروط محوها
هي، عند ذلك، حولت الفلسفة هذه الشروط إلى نوع من القدرة
السلبية.
فلاسفة ما بعد الحرب
الفرنسيون رفضوا عموما فكرة نهاية الفلسفة. لوك إيريجاراي (Luce
Irigaray) سخر منها باعتبارها
واحدة من "قيم إبقاء الحال كما هو".1 جيل دولوز (Gilles
Deleuze)
وفيليكس جواتاري (Felix
Guattari) أعلنا أن "مستقبل
الفلسفة لم يكن أبدا مشكلة بالنسبة لنا: الأمر فقط تعب، كلام
فارغ".2
حتى وبشكل أكثر صراحة، قرر جاك ديريدا، (Jacques
Derrida) "لا أعتقد أبدا فيما
يسمى بسهولة اليوم موت الفلسفة (ولا، أكثر من ذلك، في الموت
البسيط لأي شيء – الكتاب، الإنسان، أو الله، على الأخص حيث،
كما نعرف جميعا، ما هو ميت يطلق نوع خاص جدا من القوة)".3
يوضح دريدا ذلك في
مناقشته لـ "نهاية الكتاب وبداية الكتابة". حيث يصف الكتاب
كفكرة فارغة من المعنى وكفكرة "غريبة عن حس الكتابة بشكل
عميق". من الضروري ملاحظة الخاصة الموحدة، الموسوعية، الدينية
للكتاب، هو يعلن، من أجل إبطالها بأكثر أساليب الكتابة قوة
وتأثير.4 ولكن ما يحدث ليس مجرد استبدال أو كلام؛
هو تركيب أحدهما مع الآخر، لدرجة أنه لا الكتابة ولا الكتب
يمكن القول بأنه يبدأ حقيقة أو ينتهي. ديريدا يضع الإغلاق
لفكرة الكتاب، ويسمح بالاستمرارية اللانهائية له، بدلا من فكرة
النهاية الأكثر تحديدا.5
هي، إذن، ليست إلى
هذه الدرجة عملية اكتمال، كمناورة معقدة ما بين الانتهاء
والتجدد. من أجل القيام بهذه المناورة، أجرت فلسفة "ما بعد
الحداثة" عملية تدمير شامل للاعتقادات الغربية الراسخة.
المعرفة اعتبرت محل شك، ولم يعد دور الفلسفة أن تعمل على
الوصول إليها. الذات الإنسانية أصبحت مستبعدة حتى بدت أنها لم
تعد موجودة (ربما لم تكن أبدا)، ونتيجتها الفلسفية، الإنسانية
(humanism)،
رفع عنها القناع كشكل من أشكال القهر غير المعلن. التعبيرات
اللغوية المنطقية تم تفكيكها، وبذلك رفع أحد المبادئ المركزية
المنظمة للفكر الغربي. فكرة "العالم الحقيقي" وضعت بشكل نهائي
بين قوسين، وحتى موضوع (واضح) غير معقد مثل الاختلاف الجنسي
أصبح غير شرعي ومضل، في حين أن طرق أخرى أكثر صعوبة للتنظير
للجنس أصبحت مفتوحة.
ما
يشترك فيه كل ما ذكر أعلاه هو المقاومة للتصورات الكلية (على
وجه الخصوص، الأنظمة الفلسفية التي تشكل التقليد الغربي
الحديث)، للغائية (فكرة أن هذه الأنظمة تهدف إلى شيء معين على
وجه الخصوص)، و للإغلاق من أي نوع – روائي، تصوري، ميتافيزيقي.
في التقليد الفلسفي، المدافعان الرئيسيان عما هو أعلاه هم
ديكارت، والذي كان شكه الراديكالي مؤديا إلى الدعوى بأنه يمكن
الوصول إلى نقطة صحيحة للبداية؛ وهيجل الذي قامت مقاربته
التركيبية، في الأساس، بإعادة تنظيم التقليد جميعه في كل جدلي
غرضي، ثم افترضت أنها قد وصلت به إلى ذروته، ولم يعد هناك عمل
آخر مطلوب يجب فعله. باقي هذه المقالة سوف يفحص رد الفعل "ما
بعد الحداثي" لهذا التراث – المحاولات الفلسفية الرئيسية للكشف
عن فجواته، تناقضاته، جوانب النقص فيه، والجهود التي بذلت لوضع
نهاية له.
Paul Sheehan, 2004, "
Postmodernism and philosophy ", in Steven Connor (ed.), "the