ملخص
التطورات
الأخيرة في الديناميات غير الخطية وجدت تطبيقات واسعة في
العديد من المجالات العلمية من الفيزياء حتى علم
العصبونات. الظواهر غير الخطية، مثل دوائر التغذية
الراجعة، العلاقات بين المستويات، الكيانات الكلية التي
تقيد وتعدل سلوك جزئياتها، وتأثيرات الذاكرة مرشحة للتعبير
عن الانبثاق والسببية النازلة. تيارات حمل رالي بينارد "Rayleigh–Bénard
convection"
هي مثال للنظام غير الخطي الذي، كما أقترح، يقدم تبصرات
مهمة للميتافيزيقا وفلسفة العلم. في هذه الورقة أقدم
تيارات الحمل كمثال على السببية النازلة في الميكانيكا
الكلاسيكية، أكثر تماسكا وأقل تأملا بكثير من الأمثلة التي
يتم تقديمها عادة في أدبيات فلسفة العقل. على الرغم من أن
فيزياء تيارات حمل رالي بينارد معقدة فعلا، إلا أن هذا
النموذج يقدم مثالا أكثر تماسكا وواقعية بكثير لاختبار
الفرضيات والدعاوي المختلفة التي نجدها في نقاشات الانبثاق
وفلسفة العقل.
بعد مراجعة بعض التصورات المفتاحية في
الديناميات غير الخطية، الأنظمة المعقدة وأساسيات فيزياء
تيارات حمل رالي بينارد، أبدأ هذا الفحص هنا بـ (1) تقييم
تعريف حديث مقترح للانبثاق والسببية النازلة، (2) مناقشة
بعض الاعتراضات النماذجية للسببية النازلة و (3) مقارنة
هذا النموذج بأمثلة سبري "Sperry’s
examples".
Bishop,
Robert, 2008, Downward Causation in Fluid Conviction, in
Synthese, V. 160, Pp. 229–248.
1. مقدمة
الظواهر اللاخطية توجد في كل المجالات العلمية.
الأمثلة تتضمن جريان السوائل، الأرصاد الجوية، فيزياء
البلازما، الفيزياء الجيولوجية، جغرافيا المحيطات،
الاحتكاك والكسر في بنيات المعدن، المواد المهتزة
المترابطة، التفاعلات الكيميائية، تميز الخلايا، الوظائف
العصبونية، وتقريبا كل حالات تكون الأشكال النماذجية. مثل
هذه الظواهر تمت دراستها باستخدام رياضيات الديناميات
اللاخطية ونظرية الأنظمة المعقدة، وهي ضمن أكثر التحديات
التي تواجه العلماء صعوبة. على الرغم من وجود بعض
المناقشات للديناميات اللاخطية والمجالات المرتبطة بها مثل
الفوضى المنظمة "الكاوس" "Chaos"،
التعقد والتنظيم الذاتي في أدبيات فلسفة العلم (مثال، "Auyang"،
1998، "Batterman"،
1993، "Bishop&Kronz"،
1999، "Earman"،
1986، "Hobbs"،
1991، "Kellert"،
1993، "Smith"،
1998،
"Stone"،
1989)،
إلا أن سؤال السببية النازلة في هذه السياقات يلقى اهتمام
أقل بكثير ("Juarrero"،
1999، "Scott"،
1999، "Silberstein
& McGeever"،
1999، هم استثناءات بارزة).
الظواهر اللاخطية مثل دوائر التغذية الراجعة،
العلاقات بين المستويات، الكيانات الكلية التي تقيد وتعدل
سلوك أجزائها، التأثيرات المنسوبة للذاكرة (على سبيل
المثال، هيسترسيس "hysteresis"،
أي المواد ذات رد الفعل المتأخر المعتمد على الذاكرة) هي
أمثلة على الظواهر المثيرة المرشحة للتعبير عن ظاهرة
السببية النازلة. السببية النازلة كانت تعتبر مريبة، على
كل حال، أنه من المحتمل أنها تخرق الإغلاق السببي للظواهر
الفيزيائية، وربما تتضمن سخافات (على سبيل المثال، كيم،
1999، ص 28-31).
أحد المشكلات المرتبطة بمناقشة السببية النازلة
كانت النقص في التعريف الدقيق لتصورات مثل الانبثاق
والسببية النازلة. المناقشات ركزت عادة على أمثلة مثل
العجلة التي تدور متجهة إلى أسفل التل (مثال، سبيري "Sperry"
1999). مؤخرا اقترح تومبسون وفاريلا "Thompson
& Varela"
(2001، ص 240) تعريفا للانبثاق يتضمن السببية النازلة يذهب
بشكل ما نحو تحقيق دقة أكبر:
(ت ف) [نظرية تومبسون وفاريلا] الشبكة، ن، المكونة
من مكونات متشابكة تبدي عملية انبثاقية، ي، مع صفات
انبثاقية، ف، إذا وفقط إذا:
(ا) ي هي عملية كلية تؤدي إلى نشأة ف وتنشأ من
الديناميكا غير الخطية، د، من التفاعلات المحلية لمكونات
الشبكة ن.
(ب) ي وف لهما تأثير محدد ("نازل") متجه من الكلي
إلى المحلي على الديناميكا د لمكونات ن.
ومن الممكن:
(ج) ي
و ف لا يمكن أن يتحددا بشكل كامل بواسطة الخواص الذاتية
لمكونات ن، أي أنهما يبديان "علائقية كلية".
في هذا المقترح، الخاصية ليست فقط تنبثق بمجرد
باعتبارها صفة؛ ولكنها تنشأ من خلال عملية أو من خلال
"كيان" ديناميكي يتحدد مع الوقت.
هدف هذه المقالة هو بيان بعض التبصرات الجديدة
والهامة لميتافيزيقا وفلسفة العلم من ظاهرة تيارات حمل
رالي بينارد. أقترح اعتبار "تيارات الحمل" كنموذج للسببية
النازلة في الميكانيكا الكلاسيكية، أكثر تماسكا وأقل تأملا
من الأمثلة الغامضة والمريبة التي تطرح في الكثير من
المناقشات. القسم الثاني يقدم عرضا مختصرا لبعض التصورات
المفتاحية للديناميكا اللاخطية والأنظمة المعقدة. القسم
الثالث يقدم المفهوم الأساسي لظاهرة تيارات حمل رالي
بينارد. القسم الرابع يقيم نظرية تومبسون وفاريلا بالنسبة
لهذا النموذج. وقد تمت مناقشة بعض الاعتراضات التقليدية
للسببية النازلة، وتمت مقارنة حالة تيارات حمل رالي بينارد
مع أمثلة سبيري. وتضع بعض الملاحظات في القسم الخامس نهاية
لهذه المقالة.
2. الديناميات اللاخطية
2.1
اللاخطية
يعتمد تمييز المنظومة الدينامية بأنها خطية أو غير
خطية على طبيعة معادلات الحركة التي تصف المنظومة.
المنظومة التي تصفها المعادلة التفاضلية دس/دن = ف س
بالنسبة لمجموعة من المتغيرات س= س1، س2،...، س ن هي
منظومة خطية إذا كانت مصفوفة العوامل ف لا تحتوى أي من
المتغيرات س أو دالاتها؛ وإلا كانت لاخطية.
بصورة تقريبية، تصرف المنظومة
بشكل خطي إذا كانت التغير المضروب في ج لمدخلاتها الأولية
يتضمن تغير مضروبا في ج بالنسبة لمخرجاتها.
المنظومة الخطية
يمكن تحليلها بشكل مباشر إلى منظوماتها الجزئية وإعادة
تركيبها من منظوماتها الجزئية. على سبيل المثال، يمكن
تحليل الاهتزازات الخطية (المتناغمة) للوتر باعتبارها
تركيب من الأشكال الاهتزازية البسيطة، والتي يمكن التعامل
معها باعتبارها أشكال فردية لأنظمة جزئية أو أجزاء من
الاهتزازات الأصلية غير مرتبطة ببعضها البعض. أساسا هذا هو
مبدأ التركيب الخطي. يماثل تحليل المنظومة، إذن، تجميع
الأجزاء ("الكل هو مجموع الأجزاء"). التصرف الخطي للمنظومة
في مثل هذه الحالات يسمى أحيانا "المحصلة" (في مقابل
المنبثقة "emergent").1
في الأنظمة غير الخطية، على النقيض، فكرة التجميع
المباشر هذه تفشل. عندما تكون سلوكيات مكونات المنظومة
مترابطة ومتبادلة بشكل كبير، لا يمكن التعامل مع المنظومة،
ولو بشكل تقريبي، كمجموعة من الأجزاء الفردية غير
المترابطة ("الكل يختلف عن مجموع أجزاؤه"). بدلا من ذلك،
يخفق مبدأ التركيب الخطي ويصبح مطلوبا نوع من الوصفي
الإجمالي أو غير المحلي2
مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن وصف المكونات الجزئية
بشكل كامل بدون الرجوع إلى بنيات المنظومة على المستوى
الأعلى. على سبيل المثال، تظهر تيارات حمل رالي بينارد ما
يسمى بالتماسك الإجمالي، بمعنى أن المكونات الجزئية مرتبطة
بكل المكونات الجزئية الأخرى إلى درجة أنه لا يمكن لأي
مكون من المنظومة أن يتغير إلا من خلال فرض بعض التغيير
على المنظومة ككل. مثل هذه السلوكيات الكلية يشار إليها
عادة على أنها منبثقة "emergent"
(كمقابل للمحصلة).
الربط الوثيق بين المكونات في الأنظمة غير الخطية
يعود إلى عدم القابلية للفصل في الدالة الهاميلتونية "the
Hamiltonian"،
وهي دالة تقابل الطاقة الكلية للمنظومة وترتبط بتطورها مع
الزمن. على وجه التقريب، الدالة الهاميلتونية تكون قابلة
للفصل فقط في حالة وجود تحويلات يمكنها أن تحمل الدالة
الهاميلتونية التي تصف منظومة مكونة من عدد ن من الأجزاء
المرتبطة إلى عدد ن من المعادلات التي تصف كل منها سلوك
واحد من مكونات المنظومة. وإلا، تكون الدالة الهاميلتونية
غير قابلة للفصل وتكون التفاعلات خلال المنظومة غير قابلة
للتحليل إلى تفاعلات بين المكونات الفردية للمنظومة فقط.
2.2
الأنظمة المعقدة
هناك عدد
من التعريفات الصورية للتعقد تم اقتراحها لوصف السلوك
المعقد العشوائي، الكاوسي "chaotic"،
والصور الأخرى له، كل منها لها مواطن قوة وضعف (جراسبرجر "Grassberger"
1989، واكرباور "Wackerbauer"
وآخرون 1994). لسوء الحظ لا تقدم هذه التعريفات للتعقد أي
مدخل بديهي لقضايا الانبثاق والسببية التي تعمل في الأنظمة
المعقدة.
1
انظر ماكلولين "" (McLaughlin)1982
بالنسبة لمناقشة مصدر وتاريخ مصطلحات "المحصلة"
و"الانبثاق".
2
الوصف غير المحلي للديناميات اللاخطية يشير إلى وصف يعود
بالضرورة إلى السمات العامة والبيئية للمنظومة بالإضافة
إلى التفاعلات المحلية للمكونات الجزئية مع بعضها البعض.
الصياغات التقليدية للتعقد تطرح اعتمادا على
الاحتمالات بدون الرجوع الواضح إلى المتغيرات الفيزيائية
للمنظومة.3
عادة ما يتم وصف الأنظمة المعقدة ظاهراتيا، ويتضمن السمات
التالية:
الأنظمة ذات الأجسام الكثيرة.
هناك عدد كبير من المكونات، حيث تشير "عدد كبير" إلى العدد
من المكونات اللازم لظهور السلوك. بعض الأنظمة تبدي سلوك
معقد مع عدد قليل مثل ثلاثة مكونات.
التماثل المكسور.
التماثل الفراغي (مثلا، التجانس) يمكن أن يوجد قبل نقطة
حرجة، وليس بعد ذلك.
التراتبية.
هناك عدد من المستويات المميزة، المستقلة المكونة من بنيات
متداخلة تتطلب عادة أوصاف مختلفة على المستويات المختلفة.
اللاانعكاسية.
مثل هذه التراتبيات ترتبط عادة بعمليات غير انعكاسية.
العلاقات.
المكونات ليست مجرد تجميعات مثل أكوام حبات الرمل، ولكنها
تكون مرتبطة ببعضها البعض من خلال أنواع من العلاقات.
التموضع.
خواص المكونات تعتمد على البنيات التي تكون مدمجة فيها
وكذلك على البيئة التي توجد فيها المنظومة ككل.
التماسك.
تظهر الأنظمة ككل وحدة عضوية وظيفية والتي تصبح غائبة في
حالة غياب واحد من المكونات أو البنيات الداخلية أو إذا
فقد التنسيق بين البنيات والمكونات.
التكامل.
هناك عدد من المكونات التي تكون مرتبطة ببعضها ارتباطا
وثيقا من خلال دوائر التغذية الراجعة والأنواع الأخرى من
العلاقات البنيوية/الوظيفية التي تكون حاسمة في الحفاظ على
تماسك المنظومة.
السلوك المعقد.
تبدي الأنظمة سلوكا يقع في مكان ما بين النظام البسيط
والفوضى الكاملة.
الاستقرار.
الوحدة التنظيمية والعلائقية للمنظومة تكون مرنة في ظل
الاضطرابات المحدودة وتكيفية تحت التغيرات المحدودة لبيئة
المنظومة.
النسبية في الملاحظة.
درجة تعقد المنظومات تعتمد على كيفية ملاحظتنا ووصفنا لها
(كروتشفيلد "Crutchfield"،
1994، جراسبرج، 1989).
هذه القائمة لا تستغرق كل التصورات، ولكنها تكشف
عن السمات الكيفية التي تظهر من النظرية والاختبارات على
المنظومات الفيزيائية المعقدة مثل تيارات حمل رالي بينارد
(مثال، كروس "Cross"
وهوهنبرج "Hohenberg"،
1993).
2.3
التراتبيات الحاكمة والمقيدة
فكرة التراتب في سياق الأنظمة المعقدة تتطلب
إيضاحا أكثر. بعض الأنظمة تتكون من مستويات بنيوية مميزة،
حيث التنظيم إلى مستويات تراتبية يكون عائدا إلى تراتب
القوى الفيزيائية ومقاييس زمنية دينامية (مثال، الجسيمات
الأولية، الجزيئات، البلورات، الجوامد). في بعض الأحوال
يمكن أن تقدم مكونات المستوى الأدنى شروطا ضرورية وكافية
معا لوجود وسلوك بنيات المستوى الأعلى.
في
الأنظمة المعقدة، على كل حال، عادة ما يتم تمييز المستويات
البنيوية على أساس المقاييس الزمنية الدينامية وتكون
مرتبطة ببعضها البعض بحيث لا تكون على الأقل بعض بنيات
المستوى الأعلى محددة بواسطة، وحتى تؤثر وتقيد، سلوك
مكونات بنيات المستوى الأدنى. أي أن، مكونات المستوى
الأدنى تقدم شروطا ضرورية ولكنها ليست كافية لوجود وسلوك
بعض بنيات المستوى الأعلى (بيشوب 2006ب،
3
المتغيرات الفيزيائية تكون مطلوبة لتعريف حالة الفراغ الذي
تحدد فيه مقاييس الاحتمالات. وهكذا، هي تكون داخلة بشكل
ضمني في التعريفات الاحتمالية.
بيشوب وأتمانسباشر "Atmanspacher"،
2006). وأكثر من ذلك، يمكن أن تكون مكونات المستوى الأدنى
غير قادرة على تقديم الشروط الضرورية والكافية لسلوكها
ذاته إذا كانت مكونات المستوى الأعلى قادرة على أن تؤثر
على سلوك مكونات المستوى الأدنى. هذا النوع الأخير من
التراتب يسمى التراتب الحاكم حتى يمكن تمييز مثل هذه
الحالات عن البنيات التراتبية الصرف مثل أكوام الحبيبات
(باتي "Pattee"،
1973، ص 75-79؛ بريماس "Primas"،
1983، ص 314-323).
التحكم الذي يتم في الأنظمة المعقدة يتحقق من خلال
شروط مقيدة. الأنواع المثيرة للاهتمام من هذه القيود يجب
أن تغير بشكل نشط معدل التفاعلات أو العمليات الأخرى
للمكونات مقارنة بالأحوال غير المقيدة (مثال، المحولات
والمحفزات). أكثر من ذلك، القيود يجب أن تتحكم في المكونات
بدون رفع كل درجات الحرية الخاصة بهيئة المنظومة، على
النقيض من، على سبيل المثال، حالة المحفزات البسيطة. مثل
هذه القيود يمكن أن تكون خارجية، ناتجة عن البيئة التي
تتفاعل مع المنظومة و/أو داخلية، بارزة من خلال المنظومة
نتيجة للتأثيرات الكلية لمكوناتها، أو سمة أخرى بنيوية ذات
مستوى أعلى. الأنواع الأخيرة للقيود الداخلية هي محل
اهتمام أساسي هنا.4