Arabic symbol

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

 د‏.‏ رشدي راشد يري أن التقدم والتخلف قرار سياسي‏
 
بحث مخصص

 

 

3د‏.‏ رشدي راشد يري أن التقدم والتخلف قرار سياسي (‏2-1):

النخب العربية اختارت موقف التبعية

السبت 2 / 2 / 2008
        مجلة الأهرام العربي

أجري الحوار ـ مصطفي عبادة


د‏.‏ رشدي راشد‏,‏ علامة كبري في مجال تاريخ العلوم العربية‏,‏ وهو حاليا أستاذ متفرغ في المركز القومي للأبحاث العلمية في فرنسا‏,‏ وكان يشغل حتي عام‏2001,‏ منصب رئيس مركز تاريخ العلوم والفلسفات العربية والقروسطية في باريس‏,‏ وقد أشرف علي موسوعة تاريخ العلوم العربية التي صدرت في لندن ونيويورك وحرر فيها الأجزاء التي تقع في تخصصه المباشر‏,‏ وهي الحساب والجبر والبصريات الهندسية‏,‏ تتوزع جهوده العلمية علي محورين كبيرين‏,‏ الأول‏:‏ ابتكار الرياضيات الاجتماعية وظهور نظرية الاحتمالات في العصر الحديث‏,‏ والآخر‏:‏ هو تاريخ العلوم الدقيقة كالرياضيات والبصريات في عصر نهضة الحضارة الإسلامية‏,‏ ولأنه عالم بهذه المكانة العالمية حاولنا أن نتعرف منه ومعه علي أسباب انكسار تطور العرب العلمي‏,‏ وقد كانت لديهم جهود مبكرة تؤهلهم لاحتلال مكانة لائقة بهم في السياق العالمي‏,‏ لكن نخبهم ـ مع الأسف ـ اختارت موقف التبعية‏,‏ ومنذ عهد الخديوي سعيد ومن بعده عباس بدأت حركات الاعتماد علي الخارج التي أحبطت بقية المجالات العلمية‏,‏ وإلي تفاصيل الجزء الأول من الحوار‏:‏

‏*‏ يلح بعض المفكرين علي أننا متخلفون تقنيا‏,‏ وأن الفجوة بيننا وبين الغرب كبيرة جدا‏,‏ من خلال إقامتك الطويلة في الغرب ورئاستك لمركز تاريخ العلوم في فرنسا‏,‏ كيف تقيم الوضع العربي علميا‏,‏ وكيف يمكن عبور تلك الفجوة؟
للإجابة عن هذا السؤال‏,‏ يجب أن نضع في اعتبارنا السؤال التالي‏:‏ ما الموجود لدينا علميا في الوطن العربي ليضطر الآخرون إلي ترجمته؟ من الواضح أن أغلب المواد العلمية الموجودة لدي العرب هي امتداد لرسائل علمية تم تحضيرها في الغرب أساسا‏,‏ ومع أنني لا أستطيع الحكم بشكل عام‏,‏ لكنني أقول ليس هناك ما يسمي بالبحث العلمي العربي‏,‏ أو الإنتاج العلمي العربي‏,‏ هناك بالطبع إنتاج أفراد ممتازين والكثير منهم في الخارج وبعضهم موجود في الداخل‏,‏ ويكتبون بلغات متعددة‏,‏ لكن هؤلاء الأفراد‏,‏ لا يصنعون مع ذلك‏,‏ المساهمة أو الإنتاج العلمي العربي كونهم يعملون منفردين‏,‏ وهنا ينبغي أن نفرق بين وجود أفراد وبين وجود مدارس علمية عربية تضع أسئلتها العلمية وتجيب عنها‏,‏ والآخرون يلجأون إليها‏,‏ لاستعارة هذه الأسئلة وهذه الإجابات‏,‏ هذا ليس موجودا‏,‏ ذلك هو الوضع الحالي‏,‏ وهناك بالإضافة إلي ذلك أسباب تاريخية طويلة الأمد‏,‏ ومنها‏:‏ منذ عهد محمد علي‏,‏ وعهد عبدالناصر إلي الآن‏,‏ لم يهتم أحد بالعلم كقيمة اجتماعية‏,‏ حيث كان يتم الاهتمام بالتكنولوجيا أكثر من العلم‏,‏ أو بالأبحاث التطبيقية أكثر من الأبحاث العلمية النظرية‏,‏ لأن مفهوم العلم كان تطبيقيا‏,‏ علي سبيل المثال‏,‏ عندما جاء محمد علي بالسان سيمونيين‏,‏ الذين ساعدوا علي إدخال العلم في مصر‏,‏ مثل كلوت بيك‏,‏ كان هذا التصور نفعيا وتطبيقيا‏.‏
واستمر هذا الوضع‏,‏ ولما جاءت ثورة أو الانقلاب عام‏1952,‏ كان هناك شعور بأهمية العلم‏,‏ لكن كان التصور ـ أيضا ـ تطبيقيا ولم تخلق أو تنشأ معاهد الأبحاث التي تعمل علي العلم النظري‏,‏ وحتي معهد الأبحاث المصري‏,‏ هو أساسا ذو اتجاه تطبيقي أكثر منه نظريا‏.‏
ومن هذه الأسباب أيضا‏,‏ وجود الاستعمار القديم‏,‏ وأحد أهم الأشياء التي فعلها الإنجليز فور دخول مصر هو إلغاء الكليات العلمية‏,‏ وعندما أسست الجامعة المصرية وظهر أفراد ممتازون مثل مصطفي مشرفة‏,‏ ومصطفي نظيف‏,‏ حاولوا بجهود فردية إحياء البحث العلمي والعمل من أجله‏,‏ وأنشأوا جمعيات ومجلات ما بين الأربعينيات والخمسينيات‏,‏ ولأنها مجهودات فردية في أغلب الأحيان‏,‏ فلم تتحول إلي خبرات اجتماعية داخل المجتمع المصري والعربي‏,‏ ولم يفرض العلم كقيمة اجتماعية‏,‏ لأن هذا لكي يحدث لابد أن تعترف بالعقلانية كالقيمة الاجتماعية الأولي وهو ما لم يحدث أيضا‏.‏
وبعد النكسات والهزائم ودخولنا في مرحلة جديدة‏,‏ بدأت بانتهاء العهد الناصري‏,‏ ومع أول أيام السادات‏,‏ ثم دخولنا في معاهدة كامب ديفيد‏,‏ وكانت لهذه المعاهدة شروط‏,‏ ومن هذه الشروط إلغاء كل المحاولات العلمية الجنينية التي تمت في عهد عبدالناصر‏,‏ مثل معهد الطاقة النووية الذي كان يضم مشرفة وآخرين‏,‏ ووقف البعثات العلمية إلي روسيا‏,‏ ووقف الأبحاث في الفيزياء والكيمياء التي كانت ضمن مقررات معهد الطاقة النووية‏,‏ وكما نعرف فإن الأبحاث تولد الأبحاث‏,‏ فإذا توقف مجرد البحث فماذا ننتظر؟ فالبحث في الفيزياء مثلا يقتضي تكوينا علميا في الرياضيات والكيمياء ومجالات علمية أخري‏,‏ وهذه قيمة البحث الذي يساعد علي نوع من النهضة العلمية وليس مجرد الشكل النفعي لها‏.‏
وبدلا من تحويل العلم إلي مناخ كما كان يحاول عبدالناصر‏,‏ استجبنا لشروط كامب ديفيد‏,‏ واخترعنا قانون الردة‏,‏ ودخلنا بالتالي في هوسة دينية وأقولها بكل وضوح هوسة دينية‏,‏ لأننا نري آثارها الآن في المجتمع المصري‏,‏ وبدلا من اكتساب القيم العقلية وفرضها كقيم أساسية‏,‏ بدأنا نفرض قيما أخري باهتة دينيا‏,‏ فتواري دور العلم والعقلانية تماما‏,‏ هذا ما حدث ويحدث إلي الآن‏.‏
‏*‏ فكرة التقدم والتخلف تتم بالقياس علي ماذا‏,‏ علي مستوي التنمية الاقتصادية ودخل الفرد‏,‏ أم علي المستوي التكنولوجي؟
لا‏,‏ إنها تتم علي عدة مستويات في الوقت نفسه‏,‏ أولا علي مستوي القوة الإنتاجية‏(‏ وليس القوة المعرفية‏)‏ القوة الإنتاجية مرتبطة أيضا بأبحاث تطبيقية في العلم والاختراع‏,‏ هذه الأبحاث تسبق بأبحاث نظرية ضخمة حتي لا تصبح مجرد مقلد‏,‏ تشتري الاختراع من دولة المنشأ وتحاول تطبيقه‏,‏ وهو ما لا يوفره الاقتصاد الريعي‏,‏ مع قيم استهلاكية أساسا‏,‏ فأين سيكون التقدم‏,‏ لوأخذنا أي مجتمع من المجتمعات الغربية التقليدية فلن نجد منها أي مجتمع يقوم علي الاستهلاك والاقتصاد الريعي‏,‏ إلا هذا النوع من المجتمعات في الوطن العربي‏,‏ لأن الاقتصاد الريعي يهييء المناخ لفساد ضخم بكل أشكاله‏,‏ وعدم الجدية حتي في النظر إلي المستقبل‏.‏
‏*‏ ومسئولية هذا تتحملها النخب بكل أصنافها أم المجتمع أم القرار السياسي؟
الكل مسئولون‏,‏ لكن النخب المثقفة والسياسية هي التي لديها الإمكانية والفرصة لتحليل هذه الأمور‏,‏ وتقدم مشاريع متعددة الأنواع في التعليم‏,‏ والإنتاج والسياسة‏,‏ لكنها في هذه اللحظة قررت الوقوف مع الاقتصاد الريعي مع بعض الإنتاج التمويلي الصغير وتعتمد ـ أرادت أم لم ترد ـ علي الاستيراد لكل السلع‏,‏ وقررت أن تأخذ موقف التبعية‏.‏
‏*‏ لكن لماذا ينبغ علماؤنا عندما يقيمون في الغرب؟
هناك عدة تفسيرات لهذه الظاهرة‏,‏ أولا هي ليست ظاهرة فريدة في التاريخ‏,‏ فإذا نظرت إلي التاريخ ستجد أن الهجرة إلي المراكز العلمية الضخمة كانت طبيعية جدا‏,‏ ففي العصر الوسيط كان العلماء يتجهون إلي بغداد‏,‏ أو يذهبون إلي سمرقند أو القاهرة‏,‏ بالنسبة إلي العلم هذه هي إحدي خصائصه منذ أيام اليونان‏,‏ لسبب بسيط هو أنك إذا أردت أن تبحث فستبدأ من نهاية ما وصل إليه الآخرون‏,‏ تلك هي عالمية العلم ولا حل لها‏,‏ فالشباب الذين هاجروا‏,‏ فهم علي المستوي المحلي لا يجدون المركز العلمي الذي يتيح لهم التقدم‏,‏ وثانيا‏,‏ وجود المناخ العلمي في المراكز العلمية الكبيرة‏,‏ مثل وجود الطالب الجيد‏,‏ ومن يعملون معي مثلا هم باحثون ممتازون أو علي الأقل جيدون‏,‏ والزملاء علي مستوي جيد‏,‏ فهذا يضطرني إلي التجويد‏,‏ هذا هو المناخ العلمي‏,‏ ثم وجود وسائل البحث‏,‏ ليس المادية فقط‏,‏ وإنما المعنوية أيضا‏,‏ وخصوصا في الأبحاث الكبيرة‏,‏ وهو ما لا يتوافر في البيئات المحلية العربية‏,‏ فلابد إذن من الهجرة‏,‏ ثم أخيرا الجو العام‏,‏ إذا أحس الفرد أنه لا يفيد ولا أحد ينتظر منه أن يفيد‏,‏ فهنا يصاب الباحث بالإحباط والملل فيذهب بعيدا‏,‏ ولا يمكن بأي حال تفسير الهجرة العلمية بالبحث عن الربح المادي‏,‏ عكس الهجرة الوظيفية التي تتم إلي بلاد البترول وهي لتحسين مستوي المعيشة‏,‏ وفي رأيي أن الهجرة الأولي العلمية لم تضر مصر‏,‏ علي عكس الهجرة الوظيفية التي أضرت المجتمع المصري ومصر كثيرا‏,‏ لسبب بسيط وهو أن تكوين هؤلاء المهاجرين وظيفيا دفع من دم الفقراء‏,‏ والإفادة منهم لم تكن موجودة علي الإطلاق‏,‏ بل ذهبت إلي البلدان التي هاجروا إليها‏.‏
‏*‏ هذا الفشل العلمي ترافق معه فشل علي مستوي التفكير النظري سواء في علم الاجتماع‏,‏ في النظريات السياسية وغيابها‏,‏ وفشل مشاريع التنمية‏,‏ هل أسباب فشل المشروع العلمي هي نفسها علي المستوي النظري؟
العجيب أنه من خلال دراستي في التاريخ العلمي وجدت أن هناك ارتباطا وثيقا بين العمل في المجالات الاجتماعية والعمل في العلوم‏,‏ حتي الرياضيات‏,‏ بمعني‏:‏ العمل في المجالات الاجتماعية كاللغة‏,‏ أو التاريخ‏,‏ يخلق نوعا من المجتمع المحتاج إلي العلوم الدقيقة‏,‏ وهذا ما تم في تاريخ العلوم في الفترة العربية‏,‏ في القرن التاسع‏,‏ وقبل ذلك في القرن السابع علي سبيل المثال كانت هناك أبحاث مكثفة في العلوم الاجتماعية في اللغة والتاريخ والفقه‏,‏ وتطبيق الرياضيات في الفقه‏,‏ وفي الفلسفة وعلم الكلام‏,‏ مما خلق نوعا من السوق للعلم أو جمهور للعلم‏,‏ لأن هؤلاء هم أنفسهم الذين سيطلبون ترجمة الكتب من اليونانية وغيرها‏,‏ وللذهاب إلي أبعد من هذا سيحتاجون إلي رياضيات وفلك‏,‏ إنه ارتباط وثيق بين المجالين النظري والعلمي‏,‏ ومن ناحية أخري هناك ارتباط آخر‏,‏ وهو أنه إذا كان العالم الذي يعمل في الفيزياء أوالرياضيات يبحث بشكل معين في ميدان‏,‏ لا يمكن أن تفصل هذا عن التطور في ميادين أخري‏,‏ مثل نظام التعليم‏,‏تشجيع البحث العلمي والتخطيط له‏,‏ ولا أعرف مجتمعا تطور فيه العلم الطبيعي أو العلم الرياضي فقط إلا في حالات نادرة‏,‏ كما في هولندا في وقت من الأوقات‏,‏ بدون تطور في النظم الاجتماعية النظرية كالفلسفة وغيرها‏,‏ حتي في النظم الديكتاتورية كما في الاتحاد السوفيتي كان هناك تطور ضخم في العلوم الطبيعية‏,‏ لكنه في الوقت نفسه كانت هناك أبحاث في اللغة والأنثروبولوجيا‏
.


3د‏.‏ رشدي راشد يري أن التقدم والتخلف قرار سياسي‏:(2-2)‏

الإسلام السياسي مشروع خيالي

السبت 9 / 2 / 2008
        مجلة الأهرام العربي

أجري الحوار ـ مصطفي عبادة


في الجزء الأول من هذا الحوار مع د‏.‏رشدي راشد عرفنا رأيه في وضعنا الحالي ثقافيا وعلميا فلما أهملنا العلم ظهرت لدينا الظواهر الغيبية مثل الإسلام السياسي والخرافة‏,‏ وحدثنا عن دور النخب العربية ومسئوليتها فيما وصلت إليه أوطانها‏,‏ وإسهام الاقتصاد الريعي في ظهور الفساد ومعاداة العلم‏..‏ وفي الجزء الثاني من هذا الحوار نقلب صفحات جديدة مع هذا العالم الذي وسع معرفتنا بالعلم العربي‏,‏ فحقق منه نصوصا فريدة‏,‏ سعيا لاستقصاء الإطار المعرفي الذي كتبت فيه هذه النصوص‏,‏ فحقق ونشر‏:‏ مدخل لتاريخ العلوم‏1971,‏ وكتاب الجبر لديوفنطس‏1975‏ والباهر في الجبر للسؤال‏,‏ وأعمال شرف الدين الطوسي الرياضية‏,‏ والعلوم في عصر الثورة الفرنسية‏,‏ وأعمال الكندي الفلسفية وغيرها من النصوص المهمة‏,‏ سنعرف هنا الكثير عن العلم العربي‏,‏ وعوامل تقدمنا مرة أخري‏,‏ وحقيقة الدعاوي التي تتهم التراث العربي بالتعصب وبالصدام مع الحضارة الحديثة‏,‏ وعن أعمال المستشرقين وإلي التفاصيل‏.‏
‏*‏ ألاحظ أنك تركز كثيرا علي علاقات الإنتاج والاقتصاد في أسباب التأخر العربي دون النظر إلي فكرة أن هناك مثقفين عربا كبارا ينتجون أفكارا‏,‏ هل هذه الأفكار متأخرة أيضا أو مهزومة؟
علي هؤلاء المثقفين أن يعملوا‏,‏ فإذا أردت التغيير لا يكفي التذمر‏,‏ ولا النقد‏,‏ بل عليك أن تعمل‏,‏ لكن ماذا يستطيع أن يفعل المثقف‏,‏ هذا هو السؤال‏,‏ علي كل مثقف أن يعمل في ميدانه‏,‏ العالم من خلال عمله في مجاله يحاول أن يخدم ويغير‏,‏ لكننا عدنا مرة أخري للشكل الفردي‏,‏ وهو ليس مهما بل المهم هو الشكل الجماعي في العمل‏,‏ أنا مثلا أكتب كتبا وأعرف أن من يستطيع قراءة هذه الكتب في العالم العربي يعدون علي أصابع اليد الواحدة‏,‏ فأقول إنه من المحتمل في يوم من الأيام أن تحدث نهضة ويقرأ أحد هذه الكتب وأكون بذلك أديت خدمة جليلة لوطني‏,‏ وهذا أيضا كلام نظري تماما‏,‏ ولن يغير المجتمع الحالي بأية صورة من الصور‏,‏ كل ما يستطيعه المثقف كفرد إذا كان أديبا أن يكتب أدبا جيدا‏,‏ إذا كان عالما أن ينتج أبحاثا مهمة‏,‏ وإذا كان مفكرا أن ينتج فلسفة دون تقليد‏,‏ وهكذا علي المستوي الفردي‏,‏ إذا لم يسجن أو يتهم بالجنون أو تلفق له قضية سرقة أو خيانة‏.‏
‏*‏ في هذه اللحظة المفصلية هل كان المشروع الإسلامي معوقا لهذه النهضة أم كان جزءا منها؟
أولا ليس هناك مشروع إسلامي‏,‏ هناك عدة مشاريع إسلامية‏,‏ منها المشروع الإسلامي السلفي‏,‏ ومشروع الإخوان المسلمين‏,‏ وهناك نوع من الليبرالية التقليدية المصرية‏,‏ التي هي مثقفة ومسلمة‏.‏
‏*‏ أنا أعني الإسلام السياسي؟
الإسلام السياسي هو مشروع خيالي وأعرف أنها كلمة قاسية فليسامحني من يقرأها‏,‏ هو مشروع بدون مشروع‏,‏ وعندما تقول إن الإسلام هو الحل‏,‏ فأنت لم تقل شيئا‏,‏ فهو حل ماذا؟ حل للمشكلة الاقتصادية‏..‏ التعليمية‏..‏ الاجتماعية‏,‏ حل مشكلة توازن القوي في العالم‏,‏ حل مشكلة إسرائيل‏,‏ حل مشكلة المهزلة والجريمة التي تحدث في العراق‏,‏ أي حل من هذه الحلول‏,‏ وما الإمكانيات والوسائل‏,‏ هذه عبارات جوفاء‏,‏ وليس وراءها برنامج بالمعني الحقيقي للكلمة‏,‏ ولا تحليل للمجتمع‏,‏ ولا للفترة والعصر ولا لميزان القوي‏,‏ أنا لا أقول باتباع التهادن أو ما يقوله الآخرون إطلاقا‏,‏ ولكن هذا شكلي شعبي في الحديث عن الإسلام‏,‏ فيه شعاراتية وليس فيه مشروع‏.‏
‏*‏ أنت متخصص في تاريخ العلوم والفلسفات القروسطية‏,‏ لماذا تشيع لدينا فكرة أن العصور الوسطي كانت مظلمة تماما؟
هذه فكرة إنجليزية‏,‏ وضعت في برامج تعليم سيئة‏,‏ العصر الوسيط عندنا لم يكن متخلفا علي الإطلاق‏,‏ بل كان بداية النهضة‏,‏ وأرجو أن تنتبه إلي أن العصر الوسيط العربي يبدأ من القرن السابع عشر إلي اليوم‏,‏ حتي لا تختلط علينا التواريخ‏,‏ وهو غير العصر الوسيط الأوروبي‏.‏
‏*‏ هذا يعني أننا مازلنا في العصر الوسيط؟
نعم‏,‏ بل ونزداد انغماسا في العصر الوسيط‏,‏ مع أن عصرنا الوسيط عربيا بدأ قويا علميا‏,‏ وعندما بدأت تسود الشروح بدلا من الاختراعات تخلفنا‏,‏ وانخفض المستوي العلمي بدلا من التقدم‏,‏ وكذلك التخلص من الأبحاث المتقدمة بدلا من الزيادة فيها‏..‏ إلخ‏,‏ وهذا استغرق فترة‏,‏ لأنه حتي أوائل القرن السابع عشر كانت هناك اكتشافات علمية عربية في الرياضيات وفي علوم أخري‏,‏ ثم بدأ الإنهاك‏,‏ ودخلنا في الظلام‏.‏
‏*‏ ما الذي يمكن أن نبني عليه الآن وموجود لدينا للخروج من مأزق التخلف؟
هناك عدة أشياء يمكن البناء عليها‏,‏ فالأمور ليست مظلمة تماما‏,‏ وأولها أن نبدأ ببناء المؤسسات العلمية مثل مكتبة الإسكندرية‏,‏ في جميع فروع العلم‏,‏ وعلي أسس صحيحة‏,‏ وهذا لا ولن يتم بدون وجود مجتمع يريد أن يكون العلم فيه قيمة اجتماعية‏,‏ وأساس ذلك أن يكون العقل هو المعيار الأساسي‏,‏ ولا تحدثني هنا عن الثوابت‏,‏ أنا أريد أن أفكر وأبحث في كل المسائل وأخضعها للعقل‏,‏ ثم يأتي من يوقفني تحت دعوي أن هذه ثوابت المجتمع‏,‏ وإن لم تحترمها سأسجنك كما تفعل السلطة‏,‏ أو اغتالك‏,‏ كما يفعل الإخوان المسلمون‏.‏
بالإضافة إلي ما سبق لابد أن يكون هناك مشروع نهضوي حقيقي‏,‏ وليس مجرد بروباجندا‏,‏ وهذا لن يتم إلا بإعطاء الناس حق المبادرة‏.‏
‏*‏ الديمقراطية هي ما تقصد؟
سمها ما تريد المهم أن يمنح الناس فرصة المبادرة‏,‏ وثالثا‏,‏ وهو الأهم‏:‏ ربط العلم بالإنتاج فإذا لم يكن لديك مجتمع منتج ومصنع‏,‏ فما حاجتك إلي العلم‏,‏ لأن العلم لا لزوم له في مجتمع ريعي‏,‏ وأنت لديك العلماء‏,‏ وتستطيع الاستعانة بعلماء من الخارج إذا كان لديك هذا المشروع للنهوض‏.‏
‏*‏ هل هذه مسئولية القرار السياسي أم المجتمع؟
مسئولية القرار السياسي‏,‏ وهذا ما أقوله منذ ساعة‏,‏ لكنك تريدها صريحة وها أنا أقولها لك‏,‏ ثم يأتي دور الناس إذا كانوا راغبين في النهوض فلهم أن يفرضوا ذلك علي الساسة‏.‏
‏*‏ علي كثرة ما يحقق من مخطوطات في التراث العربي‏,‏ إلا أن تحقيق المخطوطات العلمية قليل جدا‏..‏ لماذا؟
ولا يمكن أن يكون كثيرا‏,‏ لسبب بسيط جدا أولا أنا لا أحقق مخطوطات لأنني أساسا مؤرخ وفيلسوف علوم‏,‏ وتحقيق المخطوطات كان مصادفة في حياتي‏,‏ فقد عملت في حساب الاحتمالات وتطبيقه علي الأمور الاجتماعية‏,‏ وهذا كان موضوع رسالة الدكتوراه‏,‏ واهتممت بالعلوم العربية لأسباب عدة منها الهزيمة النكراء في‏1967,‏ وعندما كنت أخبر الآخرين ببعض تفصيلات العلوم العربية‏,‏ كان الناس لا يصدقون‏,‏ وهنا بدأت فكرة تحقيق المخطوطات لدي وترجمتها والتحليل والتأريخ لها‏,‏ وقد وجدت أن ما يتم تحقيقه لا يخرج عن إعداد الكتاب للنشر دون تحقيق علمي سليم‏,‏ ولا تأريخ للعلم المحقق فيه ولا تحليل له‏,‏ وليس هناك الأسس العلمية للتحقيق كما يتم في الإنجليزية واليونانية وغيرها‏,‏ وحاولت من جهتي تحقيق هذه الأسس فيما أحققه‏..‏وتحقيق المخطوط العلمي يستلزم ما يلي‏:‏ أولا تكوين معرفة جيدة بتاريخ العلوم‏,‏ ومعرفة جيدة باللغات حديثة وقديمة‏,‏ ثم التكوين العلمي‏,‏ فالذي يحقق رياضيات لابد أن تتوافر لديه علي الأقل دراسة أكاديمية في هذا العلم‏,‏ ويأتي بالإضافة إلي ذلك التمرس في التفكير الفلسفي والمذاهب الفلسفية المتعددة‏,‏ حتي لا يقف علي مجرد التحقيق‏,‏ ويذهب إلي أبعد‏,‏ ولهذا أنشأت معهدا داخل جامعة باريس السابعة لهذا العمل‏,‏ وكونت مجموعة لدراسة تاريخ العلوم العربية وعلوم العصور الوسطي اللاتينية والعربية‏,‏ وهذا المعهد وهذا التكوين العلمي لمحقق المخطوطات العلمية ليس موجودا في أي بلد عربي‏.‏
‏*‏ حتي علي مستوي الترجمة‏,‏ أغلب ما يترجم عندنا متعلق بالأدب والفنون‏,‏ ولا نستطيع ترجمة المنجزات العلمية؟
لأن ترجمة العلوم تحتاج إلي متخصصين‏,‏ وعادة من يقومون بالأبحاث العلمية لا يحتاجون إلي ترجمة‏,‏ لأنهم يعرفون العديد من اللغات‏,‏ وهنا لابد من الإرادة السياسية للترجمة العلمية حتي يتحول العلم إلي قيمة اجتماعية‏,‏ وعدم قصر العلم علي المختصين‏,‏ وإنما يمتد إلي العامة‏.‏ حتي المترجم من الأبحاث العلمية رديء في الترجمة فأنا أستطيع فهم البحث في اللغة الإنجليزية أو الألمانية‏,‏ ولا أفهمه حينما أقرأه بالعربية‏,‏ لأن المترجم ينقل كلمات وجملا ونحوا دون أن يفهم سياق العلم الذي يترجم البحث منه‏,‏ وهنا لابد من تكوين مترجمين علميين ومنع الهواة من الترجمة والذين يبحثون عن المال‏.‏
‏*‏ لديك علاقة قوية مع العلم العربي القديم وتاريخه من ناحية‏,‏ ومع الغرب والعلم الحديث من ناحية أخري‏,‏ هل هناك فعلا عوامل كامنة في التراث العربي تؤدي إلي صدام الحضارات كما يقول الغربيون؟
هذا عبث‏,‏ مجرد عبث‏,‏ وكلام لا يستحق الرد عليه‏,‏ فهو كلام باطل يراد باطل‏,‏ لأن التراث العربي متعدد الأوجه ككل تراث إنساني وهو من أكثر التراثات في الإنسانية عقلانية‏,‏ علي حسب خبرتي‏,‏ تراثنا يمجد الكتاب‏,‏ يمجد العقل والعلم‏,‏ ولا أعرف في هذا التراث العربي أي اضطهاد جري لعالم‏,‏ كما حدث في تراث الغرب‏,‏ حتي في داخل الميادين الدينية كان هناك هذا الاتجاه العقلي‏,‏ مثل المعتزلة‏..‏وفكرة صدام الحضارات لم تطرأ علي بال أحد إلا حديثا لأسباب واضحة سياسية عدوانية خاصة بالعراق وبما يحدث في المنطقة‏,‏ ومن أطلق هذه المقولة؟ إنه هنتنجتون‏,‏ وهو جاهل بتاريخ المنطقة‏,‏ ولا يعرف حتي التاريخ العربي‏,‏ إنهم أناس يتكلمون بعموميات عن جهل‏,‏ وأنا مستعد أن أرد علي البابا في كلامه الأخير‏,‏ ولكنني لا اعتني بأمثال هنتنجتون‏,‏ لأنه لا معني له‏,‏ وهو فقط مجرد شعار أيديولوجي‏,‏ اخترع لتبرير عدوان مسبق‏,‏ وهو أبشع من شعار الإسلام هو الحل‏,‏ لأن شعار الصدام وراءه المخابرات الأمريكية وفئات قومية‏,‏ وأهداف سياسية‏,‏ يكفي أن تعرف من يؤمن بهذا مثل برنارد لويس‏.‏
‏*‏ البعض يطلق عليكم كعلماء عرب في الغرب‏,‏ مجموعة الاستغراب في مقابل مصطلح الاستشراق‏..‏ هل هذا صحيح؟
هذا تحشيش‏..‏ ودعني أوضح أكثر‏:‏ الاستشراق هو ظاهرة كانت لدراسة المجتمعات الشرقية سواء للاهتمام بأثر التراث العربي في الحضارة الغربية أو لأهداف استعمارية‏,‏ والاثنان كانا موجودين‏,‏ ويجب ألا نخلط بينهما‏.‏
فماسينيون كان فعلا يهتم بالتصوف العربي‏,‏ ولكنه كان في الوقت نفسه جنرالا في الجيش الفرنسي‏,‏ وذهب مع الجيش الفرنسي لاحتلال سوريا‏.‏
أما العلماء العرب في الغرب فهم لا يدرسون المجتمع الغربي‏,‏ وليست لهم أهداف سياسية علي هذا المستوي‏,‏ هم يدرسون مادة من المواد‏,‏ أو ميدانا من الميادين‏,‏ فهذه المشابهة بين الاستشراق والاستغراب فكرة بدائية وصبيانية ولا معني لها و‏9,99‏ منا كعلماء عرب في الغرب لا علاقة لهم بالمجتمع الغربي‏,‏ فمنا من يدرس الفيزياء أو الرياضيات أو الأحياء‏,‏ ومنا من يعمل علي موضوعات عقلية كحقول معرفية فقط‏*