بعد حصوله على جائزة التفوق، عاطف العراقي يقول لـ الجزيرة أنا أكثر باحث عربي كتب دراسات عن ابن رشد
الجزيرة
11 أغسطس 2000
شريف صالح
ضحى عاطف العراقي بالمال والزوجة والولد من أجل عيون الفلسفة,, بينه وبينها عشق خاص,, واختار عبر نصف قرن من الزمان أن يعقد صداقة روحية مع آخر فيلسوف عربي، وهو ابن رشد,.
أبدع الفلسفة العربية والطريق إلى المستقبل ثورة النقد في عالم الأدب والفلسفة والسياسة المنهج النقدي في فلسفة ابن رشد ,, قائمة طويلة من الكتب القيمة، التي تشير إلى أنه صاحب اتجاه نقدي عقلاني,, قد تختلف معه أو تتفق,, لكنه في النهاية أحد الاساتذة الكبار الذين يذودون عن حوض الفلسفة العربية، وليست جائزة التفوق التي حصل عليها مؤخراً إلا تأكيداً لهذا المعنى:
حيرة طالب
* إذا بحثنا عن سنوات التكوين الأولى وكيف اخترت الفلسفة مجالاً لك,, ماذا تقول؟
سنوات التكوين الأولى كانت بمدرسة رأس التين الابتدائية بالاسكندرية، ثم بمدرسة الملك الكامل بالمنصورة والتعليم الثانوي كان بمدرسة دمياط الثانوية وآنذاك كان القسم الادبي ينقسم الى قسمين احدهما للرياضيات والآخر الفلسفة التي حصلت فيها على الدرجة النهائية، متأثراً في تلك الفترة بمدرسي أحمد محمد أبو طالب.
وبعد انتهاء الدراسة الثانوية تقدمت إلى كلية الآداب، قسم التاريخ، وفي نفس اليوم قابلت مدرسي أبو طالب الذي اعترض على التحاقي بقسم التاريخ وأصر أن أذهب وأنقل أوراقي إلى قسم الفلسفة التي كنت متفوقاً فيها.
جيل الأساتذة
* في كلية الآداب، قسم الفلسفة، كان هناك جهابذة كبار أمثال الدكتور الأهواني وتوفيق الطويل وزكي نجيب محمود,, فماذا تعلمت من هؤلاء؟
بداية أحب أن أضيف إلى هؤلاء ايضاً الأب جورج شحاته قنواتي,, ويمكن القول أنني تعلمت منهم الاتجاه النقدي لأن ابرز خصائص الفلسفة محاربة التقليد على أساس حس نقدي, تعلمت منهم الابتعاد عن الخرافة فأذكر مثلاً أننا كنا في قريتي الصغيرة كفر الدبوسى نخشى من السير ليلاً أمام المقابر، إلى أن درست محاضرات زكي نجيب محمود في التمييز بين المعقول واللامعقول وعلى إثرها رفضت كل الخرافات.
أيضاً تعلمت من هؤلاء الاساتذة الروح العلمية بحيث أن حكومة المستقبل على مستوى العالم كله ستكون من العلماء، لأن العلم يرتبط بالتكنولوجيا وهي أساس التقدم، كما يجب أن أذكر أن من بين اساتذتي من كان يجيد الربط بين الجانب الفلسفي والجانب الأدبي، خاصة عثمان أمين وتوفيق الطويل وزكي نجيب محمود، بحيث إنني متأثرا بهم أكتب الآن في الأدب بروح الفلسفة وأكتب في الفلسفة بروح أدبية، مثلما فعل فولتير في فرنسا وديورانت في أمريكا، وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ في مصر.
التفلسف مطلوب
* يلاحظ في الآونة الأخيرة اهتمام غير المتخصصين بأن يتفلسفوا، كيف ترى هذا الأمر؟!
أرى أن اهتمام غير المتخصصين بالفلسفة عامة، والفلسفة العربية على سبيل المثال، يعد ظاهرة صحية لأن الفلسفة منهج أكثر من كونها مذهباً، ومطلوب لأفراد المجتمع أن ننمي فيهم الروح الفلسفية حتى لانجد سخرية من الفكر عامة والفلسفة خاصة، كما يرد في المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية مثل كلمة بطّل فلسفة فاصبحت الفلسفة لديهم كمن يبحث عن قطة سوداء في الظلام,, بل إن الأم تدعو لأبنها وتقول: ربنا يجنبك شر الفكر، أي أصبح الفكر وعلى رأسه الفلسفة مرادفاً للهم والغم,, فانتشار الفلسفة لايكون على يد المتخصصين فحسب ولكن يمكن أن يتم على يد غيرهم، وأعتقد أنه إذا ظهر فيلسوف عربي في يوم من الأيام فلن يكون من بين المشتغلين داخل أقسام الفلسفة.
* هناك اتهام للفلسفة الاسلامية بأنها اقتصرت على فروع محددة مثل علم الكلام والتصوف والاخلاق؟
توجد مواد كثيرة يمكن أن تخدم فروع الفلسفة العربية من بينها مناهج البحث العلمي وتاريخ العلوم عند العرب وفلسفة اللغة، والفكر العربي المعاصر,,
وهذه الفروع يتم تدريسها في الكثير من أقسام الفلسفة لتوسع من نظرتنا إلى الفلسفة العربية، وبخاصة أن الفلاسفة العرب كانو أيضاً علماء كابن سينا والرازي وابن رشد فهؤلاء جميعاً فلاسفة أطباء.
لا فيلسوف ولا فلسفة !
* ألا يوجد ثمة أمل في أن يخرج فيلسوف عربي يواصل مسيرة هؤلاء؟
بعد اشتغالي بالفلسفة قرابة نصف قرن من الزمان أقول إنه لا يوجد أمل إطلاقاً في ظهور فيلسوف عربي لأننا في حالة صعود إلى الهاوية، ولو كنا قد سرنا في المحاولات التنويرية عند إخوان الصفا في المشرق العربي، وابن رشد في المغرب العربي، والمحاولات التجديدية ابتداء من رفاعة الطهطاوي,, ربما كان هناك أمل، ولكن للاسف الشديد حدث تراجع عن مكاسب الفكر التنويري، بحيث قيلت آراء في الماضي لا يستطيع أحد أن يجاهر بها الآن.
* غياب فيلسوف عربي,,
هل يعني ذلك أننا حالياً لا نملك فلسفة نابعة من ثقافتنا؟
نحن كعرب أصحاب توكيلات فكرية,, لا يوجد لدينا إبداع ولا مبدعون وإذا حصرت الاتجاهات الفكرية في عالم الفلسفة كالاتجاه الوجودي أو الوضعية المنطقية، سنجد أنها اتجاهات ليست لنا كعرب وإنما هي اتجاهات أخذها العرب، فمثلاً عندما يأتي عبدالرحمن بدوي وينقل إلينا الوجودية عن الفلاسفة الفرنسيين والألمان فهو بذلك صاحب توكيل فكري,, يضاف إلى ذلك أن الفلسفة لايمكن أن توجد إلا في ظل التنوير,, ويلاحظ حالياً أن منافذ التنوير أقل بكثير من المنافذ التي تنشر الفكر التقليدي، يظهر ذلك في أعداد الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتليفزيونية على السواء.
آخر فيلسوف عربي
* يعتبرك البعض أشهر من كتب عن ابن رشد,,
هل هذا صحيح, وأين تضع ابن رشد في تاريخ الفلسفة العالمية ,, ؟
أقول دون مبالغة إنني اهتممت بابن رشد وكتبت عنه أكثر من أي باحث عربي أو غربي، وقد أكد هذا الدكتور سالم يافوت حين كتب دراسة منشورة عن الدراسات الرشدية عاطف العراقي نموذجاً,,
فقد كتبت عن ابن رشد مجموعة مجلدات منها النزعة العقلية والمنهج النقدي.
كما حضرت أكثر ما عقد من مؤتمرات عن ابن رشد وخاصة تلك المؤتمرات التي عقدت في العامين الماضيين بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاته.
أما عن مكانته في تاريخ الفلسفة، فيمكن القول إن هناك أربعة فلاسفة يقفون على قمة عصور الفلسفة وهم أرسطو قبل الميلاد وابن رشد في الفلسفة العربية وتوما الأكويني في الفلسفة الغربية وكانط في الفلسفة الحديثة وبذلك فإن ابن رشد يقف على قمة عصر الفلسفة النقدية العربية.