Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

مشروع التوحيد القومي العربي العاثر وانكشاف أوهام الايديولوجيا

 

 

 

 

 

 

 

 

Alhayat_Logo

 

جريدة الحياة

4 ابريل 2008

كرم  الحلو

 لعل أزمة العرب التاريخية الشاملة عائدة في جانب كبير منها الى خطاب ايديولوجي عربي هو الآخر مأزوم مرتبك متناقض إزاء كل القضايا العربية الأساسية. إلا أن قضية الوحدة القومية العربية تبقى في طليعة هذه القضايا التباساً وإشكالاً، فبعد نصف قرن على الوحدة المصرية السورية المجهضة يقف الفكر الإيديولوجي القومي العربي وجهاً لوجه أمام انكشاف أوهامه التاريخية التي عاش عقوداً وعقوداً يراهن على سرابها ويقتات من انتظار مستحيلاتها.

أما أول هذه الأوهام فيكمن في مفهوم القومية العربية الذي ظل معلَّقاً ومتأرجحاً بين اتجاهات وتأويلات مختلفة ومتناقضة، ولم يستقر على تصور ثابت يمكن أن يشكِّل منطلقاً من أجل بناء عالم عربي موحَّد. وليس أدل على هذا الإشكال المفهومي الواسع مما اعتور خطاب المفكر القومي محمد عابد الجابري من التباس وتناقض في معنى القومية العربية ومفهومها ومقوماتها الأساسية. بعد أن كان قد جعل اللغة في"الخطاب العربي المعاصر"في 1982،"العنصر الرئيسي، ولربما الوحيد الذي يجمع بين الشعوب العربية التي تزخر بالأقليات الدينية والعرقية ولا تتمتَّع أقطارها بوحدة طبيعية كافية"عاد واعتبر في"المسألة الثقافية"في 1994 أن الثقافة العربية هي الجامع القومي المؤكد وأن الدين مقوِّم أساسي من مقومات الوحدة العربية والثقافة العربية. ولم يلبث أن تراجع عن رأيه هذا في"مسألة الهوية"في 1995 حيث رأى أن سكان المنطقة التي تمتد من المحيط الى الخليج هم عرب وعروبيون، لا بالفصاحة ولا بالنسب ولا بالدين، بل باللغة والثقافة والتاريخ والمصير المشترك. ومع أن الجابري تكلم في"المسألة الثقافية"عن"انشطار في الثقافة العربية يكتسي في الظرف الراهن صورة صراع خطير يكرِّس التمزق والتشرذم ويغذي الحرب الأهلية في المجتمع العربي"يقفز الى اعتبار"الوحدة العربية على المستوى الثقافي قائمة بصورة طبيعية"والى أن ما يعوق الوحدة العربية الفعلية هو"غياب الإرادة السياسية". وبينما رأى في"إشكاليات في الفكر العربي المعاصر"في 1989 أن"تحقيق الوحدة عملية تمر عبر نفي الدولة القطرية العربية"عاد وقرَّر في"وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر"في 1992 أن الدولة القطرية لم يعد من الممكن القفز عليها حتى على صعيد الحلم، وأن كل تفكير في الوحدة العربية لا ينطلق من واقع الدولة القطرية العربية الراهنة، هو تفكير ينتمي الى مرحلة مضت وانتهت. وذهب الشك بالجابري في"المشروع النهضوي العربي"في 1996 الى حد التساؤل:"ما الذي يبرِّر اليوم استعمال اسم"العرب"ليزاحم أسماء أخرى مثل المصريين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والموريتانيين؟".

هذا الإشكال المفهومي مردّه حقيقة الى تصور واهم انكشف زيفه هو الآخر وبانت لا مشروعيته التاريخية والإيديولوجية، فلم يكن واقعياً ولا مبرراً اعتبار العالم العربي كياناً واحداً موحداً، وأن التجزئة الراهنة ما هي إلا عارض تاريخي بغيض فرضه الاستعمار وپ"سايكس بيكو"السيء الذكر. فالواقع ان العالم العربي تنازعته على الدوام عوامل جغرافية باعدت بين مناطقه وأصقاعه، وأخرى سوسيولوجية تكمن في تعددية كياناته القبلية والعشائرية والآتنية والطائفية التي لا تزال الى الآن عائقاً أساسياً أمام دعوات التوحيد العربية. ولعل هذا ما تنبه اليه محمد جابر الأنصاري الذي رأى في نهاية القرن الماضي أنه حان الوقت لوقوف العربي على السطح الطبيعي والعملي والواقعي لوجوده في هذا العالم، وهو سطح الدولة الوطنية، التي هي أول تجربة للعرب في الوحدة، والتي من دونها ومن دون وحدتها الداخلية ستبقى الوحدة القومية العربية حلماً بعيد المنال.

ولعل إخفاق المراهنة على وحدة جوهرية أصلية للأمة العربية، فوق كل الانقسامات الآتنية والقبلية والعشائرية والطائفية، هو الذي قاد المفكر القومي قسطنطين زريق قبيل رحيله وفي آخر مؤلفاته"ما العمل؟"في 1998 الى تجنب تسمية"الأة العربية"لبعدها في رأيه عن الواقع المعيش، والى الشك حتى في صحة التكلم عن"المجتمعات القطرية العربية"أو عن"المجتمع العربي العام"لقصورها وعجزها عن تحقيق التكتل القومي أو الوطني.

لا بدّ إذن من اعادة الاعتبار الى مقولة الدولة القطرية التي تعرضت للإسقاط أو الرفض في الخطاب الإيديولوجي العربي. فالخطاب الاشتراكي تطلع الى"الأممية البروليتارية"بوصفها قبلة النضال السياسي والاجتماعي، والسبيل الى انهاء الصراع الطبقي والقومي، وتحقيق وحدة الطبقة العاملة وإقامة مجتمع الاشتراكية. وتعامل الخطاب القومي مع مقولة الدولة القطرية من باب الحذر أو من باب الرفض والإدانة، لأن الأمة العربية الواحدة في هذا الخطاب، هي الأصل، وما على العرب سوى العلم والجهار لإزالة الكيانات الوطنية والقطرية المصطنعة وإعادة الأمة العربية الى وحدتها الأصلية.

ولم تكن الدولة القطرية الوطنية أكثر حظاً مع الخطاب الأصولي الذي قصر تطلعاته على وحدة الأمة الإسلامية أو مع الخطاب الديموقراطي الذي وازى بين الدولة القطرية الاستبداد وأجَّل الديموقراطية الى حين قيام دولة الوحدة.

التشكيك بالدولة القطرية الوطنية والنظر اليها بوصفها كياناً مصطنعاً شائهاً معوقاً، مستمران حتى مطلع هذا القرن، فقد كتب أحد غلاة القومويين:"الدولة القطرية هي لعنة في حياة الأمة العربية، انها مصدر العذاب والمعاناة والشؤم والمسخ... انها"عاهة"تعوق نمو الأمة الطبيعي".

قوام هذا الخلل في التعامل مع مسألة الوحدة العربية عائد في رأينا الى منزع ايديولوجي يقدِّم الموضوع على الذات، والعوامل والشروط المادية على الشرط الذاتي والإنساني الذي هو أساس حركة التاريخ وتطوره وتقدّمه. فالإنسان في هذا المنزع تابع لحتميات موضوعية اقتصادية خارجية مستقلة عنه، تسيِّره وتقرّر مستقبله ولا تعبأ كثيراً بإرادته.

تبعاً لذلك لم يدرك القوميون العرب، الذين أعمتهم تصوراتهم التعميمية الرومانسية عن رؤية الواقع العربي على حقيقته، أن الوحدة العربية هي خيار ديموقراطي، انجازها رهن بإرادة الإنسان العربي الحر والواعي، التي تقرِّر وحدها مستقبل وحدة العرب القومية، وليس أية عوامل موضوعية قائمة فوق الأفراد وبعيداً عن إرادتهم ونواياهم ونضالهم الحر والذاتي.

لك هل هذا التحول الجذري التاريخي في تمثيلها للمجتمع، والتي أفرغت الإنسان العربي من انسانيته، ومن قراره الحر، وحوَّلته الى كيان تابع هشّ خاوٍ لا حول له ولا طول؟

سؤال يبقى معلَّقاً ومؤجلاً كما الوحدة العربية معلقة ومؤجلة.

* كاتب لبناني


 

عودة إلى الخطاب الفلسفي العربي