Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

عقد اجتماعى أم عقد عرقى؟

 

 

 

 

 

 

 

 

Alaraby_Logo

مجلة العربي

1 يناير 2008

أحمد أبو زيد

لقد فرضت العولمة علينا ثقافة جديدة هي ثقافة العقد. وهي تقوم على أساس المساواة بين الجميع، خصوصًا في وقت الأزمات. فهل تصلح هذه الثقافة لحل معضلات المستقبل؟      

 يتعرض العالم الآن لتغيرات سريعة متلاحقة تنقله نحو مرحلة مابعد الصناعة التى تقوم على المعرفة والقدرة على الإبداع وابتكار أساليب ووسائل وتكنولوجيات جديدة تساعد على إحراز طفرات واسعة من التقدم والنجاح في مجالات عديدة وجديدة من العمل، وقيام علاقات اجتماعية متشابكة على أسس جديدة تتناسب مع تلك التغيرات. فالمعرفة تعتبر الآن مصدر النجاح والتقدم وهو مصدر غزير ومتنوع ومتجدد ولاينضب ويصعب استنزافه مثلما تستنزف الموارد الطبيعية التي يقوم عليها مجتمع الصناعة الذي يتراجع بسرعة رهيبة أمام زحف وسيطرة مجتمع المعرفة. والانفتاح المعرفي على العالم يستوجب تنظيم العلاقات المتبادلة بين مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية بحيث أصبح من الصعب الحديث عن إمكان تحقيق الاكتفاء الذاتى في أي مجتمع فى أى مجال معين من مجالات الحياة، وليس فقط في المجال الاقتصادى. بل إن مفهوم الاكتفاء الذاتى الذي يحول دون الالتجاء والاعتماد والاستعارة من المجتمعات والثقافات الأخرى أصبح هو نفسه أمرا من مخلفات الماضى. ومع ذلك فإن هذا الواقع الجديد الناجم عن ذلك الانفتاح يتميز بازدياد الشعور بضرورة التمسك بالهوية الخاصة، مع الحرص على احترام الهويات الأخرى واحترام التعدد الثقافى، وهي أوضاع فرضها على العالم المعاصر تشابك العلاقات العامة والثقافية نتيجة الهجرات وسهولة الاتصال وتداخل المصالح المتضاربة مما يعني أن التعددية أصبحت أحد التحديات التي تواجه العالم ككل كما تواجه كل مجتمع على حدة، بل وأى تنظيم من تنظيمات المجتمع. وربما كانت السمة الغالبة على الوضع الحالي في معظم المجتمعات هى عدم تكافؤ العلاقات سواء فى الحقوق أو الواجبات بين مختلف فئات المجتمع، كما يظهر بوجه خاص فى أوضاع الجنسين والعلاقات بين العمال وأصحاب العمل أو بين الذين يملكون والذين لايملكون أو بين الدول القوية المهيمنة والدول المستضعفة، وكلها تنذر بعواقب وخيمة في المستقبل إن لم يتم التوصل إلى تنظيم يقوم على التراضي والقبول من كل الأطراف، على الاحترام المتبادل والاعتراف بحقوق الآخرين.

          ولقد أدت العولمة إلى قيام واقع جديد فرض التزامات جديدة على الأفراد نحو الدولة / الأمة بل نحو العالم أجمع، وذلك فى الوقت الذى تراجع فيه دور الدولة/الأمة كما تراجع تأثيرها نظرا إلى تأثيرات العولمة تتجاوز كل التنظيمات والنظم الأدنى فى المستوى, وهذا أيضا يعزز من الدعوة إلى البحث عن عقد اجتماعى يضمن حقوق الأفراد داخل التنظيم الواسع الشديد التعقيد والسريع التغير. فالاتجاه نحو تكوين الكيانات السياسية والاقتصادية والثقافية الكبرى يقتضى الالتزام بمبادئ معينة تضمن استمرار وفاعلية هذه الكيانات التى تضم وحدات صغيرة لها هوياتها الخاصة المتميزة والمتباينة فى كثير من الأحيان، ويستجيب للاحتياجات الجديدة المتنافرة ويتغلب على التوترات الهائلة بين التكوينات الاجتماعية المختلفة، وهى التوترات التى تؤدي الى رفض الواقع بل وإلى التمرد فى بعض الأحيان كما هو الشأن مثلا فى تمرد العمال فى كثير من أنحاء العالم. ففى الولايات المتحدة مثلا تذهب معظم نتائج النمو الاقتصادى إلى فئة ضئيلة من أغنى الأغنياء هناك مما يزيد من اختلال التوازن واتساع فجوة اللامساواة بكل مايترتب عليه من خلل فى العلاقات الاجتماعية ويهدد السلام الاجتماعى.

          كل هذه الأوضاع والظروف والتعقيدات والتغيرات والتحولات فى نسق العلاقات تستدعى فى رأى الكثيرين وضع عقد اجتماعى جديد يراعي قيام علاقات قوية وسليمة على كل المستويات، ويعتمد على منظومة من القيم والتوقعات التى تعمل على دعم بناء المجتمع وتقوية مكوناته ووحداته المختلفة، وهى قيم مستمدة من التراث الثقافى بالمعنى الواسع للكلمة ومن طبيعة الأوضاع القائمة بالفعل وما ينتظر حدوثه في المستقبل من تعديلات وتحولات.

العقد الاجتماعي... ما هو؟

 

          ويشير مصطلح «العقد الاجتماعى» إلى فئة واسعة جدا من النظريات الفلسفية على ما تقول موسوعة ويكيبيديا، وهى النظريات التى تتضمن موضوعاتها اتفاقيات وموافقات تعتبر الركيزة التى يتم عليها تشييد وتكوين الأمم وإقرار النظام الاجتماعى الذى يلتزم به الجميع طواعية وعن طيب خاطر. وهذا يعنى ضمنا أن سلطة الحكومة الشرعية لابد أن تكون مستمدة من موافقة ورضا المحكومين ، وأن من مصلحة الأفراد أن يتنازلوا طوعا وبإرادتهم الحرة المحضة عن بعض الحريات التى يمكن أن يتمتع بها الفرد الذى لايدخل فى مثل هذه العلاقات التعاقدية وذلك نظير الحصول على المزايا والمكاسب التى يضمنها لهم العقد المتفق عليه وتقرها الأبنية والنظم الاجتماعية المنبثقة عن ذلك العقد. فهناك إذن فى كل الأحوال إرادة جماعية عليا يتحتم على جميع أفراد المجتمع احترامها وقبولها والانصياع لشروطها. والمهم فى هذا كله هو الموافقة الضمنية أو الصريحة على بنود وعناصر وأحكام العقد الاجتماعى الذى يضمن لهم حقوقهم المدنية مع الالتزام باحترام حقوق الآخرين والدفاع عنها. والعامل المشترك فى معظم الكتابات عن العقد الاجتماعى الجديد هو التأكيد على مشاركة كل الأطراف المعنية فى الصياغة حتى يمكنهم الالتزام بها عن طيب خاطر ومن منطلق حرية الاختيار والاقتناع بكل المبادئ والتعاليم والتوجيهات، وهذا كله يضمن للعقد الاجتماعى خصوصًا الاستمرار، لأنه يقوم على الإرادة الحرة ومبدأ الاعتراف بحقوق الآخرين والمساواة فى الحقوق والواجبات وإنكار عوامل التمييز والتفرقة فى الحقوق والالتزامات.

          فثمة الآن ما يمكن تسميته بثقافة العقد Contract Culture وهى ثقافة تظهر وتزدهر حين يتفق جميع الأطراف على أن تقوم العلاقات بينهم على أساس المساواة فى كل أشكال التعامل وبخاصة فى وقت الأزمات. والأمر يتطلب هنا وجود أخلاقية معينة تقوم على أساس الثقة المتبادلة، وربما يكون هذا أكثر وضوحا فى التطبيق فى مجال الاقتصاد ولكنه يصدق بحذافيره على مختلف العلاقات الاجتماعية والسياسية، وهذا التوجه نحو ثقافة العقد تسانده وتدعمه فى الوقت الحالى مبادئ وشعارات العولمة.

          فالنشاط الاقتصادى بوجه خاص ينمو ويتطور عن طريق الاتفاق والتوافق والتفاهم والتنازل المتبادل للوصول إلى رضا كل الأطراف. وهذا الوضع هو الذى يحكم العلاقات السياسية داخل الدولة الواحدة وبين مختلف الدول والحكومات, مما يساعد على استقرار الأمور نتيجة لاتباع مبادئ العدالة والإنصاف.والطريف هنا هو أن عددا من الكتاب والمفكرين يرون أن هذه الأوضاع تنطبق أكثر ماتنطبق على الطبقة المتوسطة فى الدول المتقدمة رغم كل ماتعانى منه هذه الطبقة من متاعب قد تؤدى إلى تآكلها واندثارها من كثير من المجتمعات فى المستقبل غير البعيد. فرغم هذه الصعوبات والمتاعب كانت الطبقة الوسطى دائما تحتفظ وتحافظ على القيم الاجتماعية والأخلاقية التى ترتكز عليها حياة المجتمع وبوجه أخص قيم التعليم وأخلاقيات العمل ومبادئ الأمانة فى التعامل وتنفيذ العقود وغير ذلك. وقد تكون هذه قضايا تستحق المراجعة والمناقشة.

          ولكى يحقق أى عقد اجتماعى أهدافه فلابد له من أن يكون معبرا عن الآمال والتطلعات والمطالب التى تسيطر على مخيلة وتفكير العصر الذى يشهد صياغة ذلك العقد, ويشعر بالحاجة الماسة إليه ويدعو إلى قيامه . فمعظم محاولات صياغة العقود الاجتماعية فى النصف الأول من القرن العشرين مثلا كانت تتوخى إبراز أهمية مفهوم التقدم وإتاحة الفرصة لتحقيقه، أى أنها كانت عقودا تقدمية progressive - إن صح التعبير. فقد كانت تنادى بحرية التجارة والعمل ورفع مستوى المعيشة لبعض الفئات وتشجيع السياسات الاجتماعية على خدمة الفرد ولو أنها لم تفلح فى تحقيق ذلك على الوجه الأكمل فى كثير من الحالات، كما لم تفلح فى إقامة اتفاق سياسى يشمل كل دول العالم، وهو النقص الذى حرصت المحاولات التالية التى جرت بعد الحرب العالمية الثانية على تلافيه. ففى أمريكا مثلا لم تكن الطبقة الوسطى تراعى حقوق الأقليات مما دفع مفكرا مثل جون رولز John Rowls إلى أن يتصدى فى كتابه عن «نظرية العدالة » الذى صدر عام 1971 للمشكلة ويدعو إلى الاتفاق على عقد اجتماعى جديد ينظم العلاقات بين مختلف فئات وقطاعات المجتمع الأمريكى ويحدد الأساليب والوسائل التى تكفل الالتزام بذلك العقد. وقد تمادى فى دعوته إلى حد اعتبار العصيان المدنى نوعا من السلوك الاجتماعى السليم للحصول على العدالة المنشودة.

إعادة بناء الثقة

 

          حين أدرك الفيلسوف البريطانى آر. جى. كولنجوود R. G. Collingwood أثناء الحرب العالمية الثانية أن المجتمع الدولى فى حاجة إلى عقد اجتماعى جديد يتلاءم مع الأوضاع المستجدة التى سوف تترتب على تلك الحرب أصدر عام 1942 كتابه The New Leviathan الذى عرض فيه أفكار عدد من الفلاسفة البريطانيين بالذات عن الحرية وعن السيادة الشعبية وهما مفهومان يرجعان بشكل أساسى إلى عصر التنوير كما يرتبطان بفكرة الالتزام بالعمل على توفير السعادة والرفاهية والقضاء على اللامساواة. وقد اعتبر عرض كولنجوود لهذه الآراء بمنزلة نداء لصياغة عقد اجتماعى جديد يقوم على أساس الحرية والمساواة وإعادة بناء الثقة على أساس من مراعاة الأخلاق الراسخة فى إطار محكم من القيم وتحديد الأهداف والالتزام بتحقيقها. أى أن مبدأ الاعتراف والرضا والقبول والالتزام ومراعاة الآخرين من منطلق حرية الرأى والاقتناع هو مبدأ مهم فى العقد أيا كان مجاله، وأن الأساس الذى يرتكز عليه العقد الاجتماعى هو الديموقراطية التى تعني فى آخر الأمر المحافظة على الكرامة الإنسانية باعتبار الإنسان غاية فى ذاته وليس مجرد أداة لتحقيق مصالح الآخرين. ولن يتيسر ذلك إلا باتباع قواعد ومبادئ متفق عليها مسبقا ومقبولة من الجميع. فهذه القواعد والمبادئ الأساسية هى الركيزة الصلبة التى يشيد عليها العقد الاجتماعى والتى يقاس إليها مدى عدالة النظم الاجتماعية السائدة فى المجتمع ومدى التزام ذلك المجتمع بالعقد الاجتماعى ومدى فاعليته فى تنظيم العلاقة بين أفراده ومراعاة قواعد الحقوق والالتزامات التى يتم فى ضوئها إجراء أي إصلاحات اجتماعية.

          ولكن هذا كله يثير التساؤل المهم الذى يشغل بال عدد من المفكرين المهتمين بشئون المستقبل عن السياسات التى يمكن أن تساعد على قيام عقد اجتماعى عالمى فى ضوء اتجاهات العولمة، التى تميل إلى إزالة الحواجز الاقتصادية والاجتماعية بين الدول، والقواعد التى تحكم الالتزام بذلك العقد ومدى فاعليته فى إقرار العدالة والسلام على كل المستويات وبين كل التجمعات البشرية والاجتماعية والتنظيمات الاقتصادية. والواقع أن ثمة كثيرا من التشاؤم بشأن إمكان قيام مثل هذا العقد العالمى الشامل الذى يعتبر أملا يداعب خيال الكثيرين ممن يرجون قيام غد مشرق يسوده السلام والعدل. ويرى المتشككون والمتشائمون أن مثل هذا العقد (الكوكبى) لايمكن أن يتحقق إلا إذا كانت هناك حركة سياسية عالمية تساند الدعوة والتنفيذ ويكون لها صلاحيات وقدرات المساءلة والمتابعة على نطاق العالم، وهو مايصعب تحقيقه على أرض الواقع لأنه يتطلب - على أقل تقدير - توافر درجة عالية جدا من الوعى المشترك بين دول العالم وشعوبه والقدرة الفائقة على إنكار الذات والترفع عن البحث عن المصالح الخاصة ونكران الفوارق الطبيعية المرتبطة باختلافات العرق واللون واللغة والعقيدة. وليس من السهل تحقيق ذلك فى عالم يضم حوالى مائتى دولة وأكثر من ستة بلايين نسمة لهم مطالب وتطلعات شديدة التنوع والتباين والتضارب. ومع ذلك فإن الكثيرين من المفكرين يؤمنون بإمكان «تربية» ذلك الوعى وإن كان ذلك يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والمثابرة، وأنه إذا كانت فكرة العولمة تشير ضمنا إلى احتمال هيمنة الغرب وأمريكا بالذات على بقية شعوب العالم فإن العولمة لاتعنى أبدا الأمركة Americanization أو الغربنة Westernizationوأن قيام هذا العقد العالمى يتوقف أولا وأخيرا على قبول شعوب وحكومات العالم من منطلق الإرادة الحرة لتحقيق مكاسب عامة مشتركة على جميع المستويات والمجالات مما يكشف هنا أيضاعن الأساس الديموقراطى الذى يقوم عليه العقد والذى يحكم فاعليته.

          بيد أن الحديث عن العقد الاجتماعى العالمى يصطدم الآن ببعض الاتجاهات الفكرية التى كان المظنون أنها اختفت وأصبحت من تراث الماضى. فقد ظهرت فى السنوات الأخيرة نزعات فكرية تدعو إلى قيام «عقد عرقى» Racial Contract وليس عقدا اجتماعيا لأن هذا العقد يعبر عن واقع الحياة وعن طبيعة العلاقات الفعلية بين البشر، ولذا فقد يكون هو الأجدى فى تنظيم العلاقات بين الجماعات المختلفة وبخاصة بين السود والبيض فى الولايات المتحدة. وقد ظهر فى عام 1997 كتاب بهذا العنوان : «العقد العرقى» من تأليف تشارلز ميلز Charles  Mills وفيه  يقرر  أن ثمة بين البيض ما يطلق عليه اسم «مافوق الاتفاقات Meta-agreements» وهو اتفاق متعارف عليه ولكنه غير معلن بأن السود يؤلفون فئات فرعية أو ثانوية من البشر الذين يشغلون منزلة اجتماعية وقانونية وأخلاقية أدنى من تلك التى يتمتع بها البيض وأن ثمة «عقدا» غير مدون يعطى البيض الحق فى استغلال السود لمصلحتهم مع حرمانهم فى الوقت ذاته من كل الفرص والإمكانات المتاحة للبيض لأن السود خلقوا فى الأصل لخدمة البيض تماما مثلما خلقت الكائنات غير البشرية لخدمة البشر. وقد ذهب تشارلز ميلز فى ذلك إلى حد القول إنه ليس على البيض فى الفترة الحالية المعاصرة أي التزامات إزاء السود إلا بقدر ما قد يكون عليهم من التزامات نحو الكائنات غير البشرية.

الحالة العرقية

 

          فالهدف إذن من الدعوة إلى قيام عقد عرقى والاعتراف بما أسماه ميلز «الحالة العرقية» هو ضمان المزايا والمكاسب التى ينفرد بها سكان العالم من البيض، مع التأكيد على المكانة الأدنى التى يحتلها غيرهم. ومع أن ميلز قصر حديثه على السود فمن الواضح أن هذه الآراء يمكن أن تمتد إلى كل الأعراق غير البيضاء وأن مكانتهم جميعا لاترتفع عن مكانة » الحيوانات غير البشرية» «non-human animals» - حسب تعبيره- ولذا فليس لهم أدنى اعتبار على المستوى السياسى أو الأخلاقى. ففلسفة العقد الاجتماعى هى مجرد تجربة ذهنية متخيلة بعكس نظرية العقد العرقى التى تعبر عن حقيقة تاريخية واقعية يمكن أن نرصدها فى كل وقت وفى كل مكان حيث تتفوق الشعوب البيضاء دائما على غيرها فى كل جوانب الحياة، بما فى ذلك استعمار الدول الغربية لغيرها من الشعوب. فالفكر الغربى يؤمن - على ما يقول - بوجود مستويين من الميثاق الأخلاقى، أحدهما يتضمن منظومة من القواعد والمبادئ والقيم العليا الخاصة بالبيض، بينما يختص المستوى الآخر والأدنى بغيرهم. وعلى ذلك فإن العقد الاجتماعى الذى يرفض التمييز العنصرى على زعم أنه وضع غير طبيعى وغير مقبول، يعتبر هو ذاته فى نظر ميلز انحرافا عن الواقع الحقيقى الذى عرفه العالم منذ بداية التاريخ البشرى وأن كل ما يقال عن العقد الاجتماعى هو مجرد خيال لايمت إلى الواقع بصلة ولا يصمد أمام حقائق التاريخ. وكل الشواهد فى عالمنا المعاصر تؤكد على مركزية النزعة العرقية التى تتحدى وترفض الفلسفات الاجتماعية والسياسية التى تنادى بضرورة التوصل إلى عقد اجتماعى لعموم البشر.

          وليس ثمة شك فى أن هذه الآراء لاتبشر بالخير بالنسبة إلى عالم الغد، خاصة أنها بدأت تجد لها صدى فى بعض الكتابات العلمية الجادة عن الوراثة كما ظهر أخيرًا فى موقف عالم الوراثة البريطانى الشهير الحائز جائزة نوبل جيمس واطسونJames Watson بشأن الاختلافات فى درجة الذكاء بين البيض والسود وما أثارته آراؤه الجديدة المفجعة فى هذا الصدد من ضجة وجدل فى الأوساط العلمية بل وبين الرأى العام فى الخارج.

          فهل يشهد عالم الغد نكسة في ما يجب أن تكون عليه العلاقات الإنسانية ترده إلى الوراء؟!.

 

أحمد أبوزيد   
   

 

عودة إلى الخطاب الفلسفي العربي