جريدة الدستور الأردنية
عمر أبو الهيجاء
أخذت
الفلسفة العربية قديما شوطا كبيرا ومؤثرا في الثقافات الغربية »الاخر«
وتتملذ عليها العديد من الفلاسفة في الغرب منذ الفلسفة الاغريقية وكذلك
تتلمذ الغرب على مدارس وتيارات الفلسفة العربية مثل المدرسة الرشدية نسبة
الى ابن رشد الفيلسوف العربي/ والتيار الفلسفي الذي سمي بالسيناوية ايضا
نسبة الى الطبيب والفيلسوف »ابن سينا« غير ان الفلسفة العربية في الوقت
الراهن اصبحت اسيرة للفلسفة الغربية وتعد مكملة للفلاسفة العرب القدامى
ونفتقد الى الفليسوف العربي المؤِثر في اللحظة الراهنة.
»الدستور« توجهت بالسؤال الى مجموعة من الادباء
المشتغلين في مجال الفلسفة حول غياب الفيلسوف العربي المكمل لدور الفلاسفة
العرب في العصور السابقة وعن تأثير الفلسفة العربية بالآخر وذلك بمناسبة
يوم الفلسفة الذي ينظم بالتعاون مع اليونسكو في كل عام:
د. احمد ماضي رئىس رابطة الكتاب الاردنين يرى ان
الفلسفة العربية الاسلامية لم تظهر الى الوجود الا بفضل اعمال العقل العربي
الاسلامي في الفلسفات الاخرى ولا سيما الفلسفة الاغريقية، بعبارة اخرى كانت
الفلسفة العربية الاسلامية ثمارا لتفاعل العقل العربي مع العقول الاخرى
عامة والعقل الاغريقي خاصة وفي المجال الفلسفي تحديدا.
واضاف: فلسفتنا في تلك القرون كانت نتيجة احتكاك
فعال مع ما اصبح يسمى الآن الاخر ورغم ان بعض الدارسين يذهبون الى ان
فلسفتنا ما هي الا نسخة عربية عن الفلسفة الاغريقية الا ان ذلك يفتقر الى
الموضوعية والدقة فقط كانت فلسفتنا اصيلة واثرت التراث الفلسفي العالمي،
ومن الادلة على ذلك ان عصر النهضة الاوروبية لم يبلغ الا بتضافر عوامل عدة
داخلية وخارجية، واهم عامل خارجي تمثل في العلم والفلسفة العربيين وكل مطلع
يعلم حق العلم ان علماءنا وفلاسفتنا قد اثروا تأثيرا بالغا في الحضارة
الاوروبية يكفي ان ادلل على ذلك بان ابن رشد بلغ تأثيره درجة مرموقة اذ
ظهرت في اوروبا مدرسة او تيار فلسفي يسمى »الرشدية« ومن يطلع على كتاب
آرنست رنان »ابن رشد والرشدية« سيتحقق من ذلك، وفضل عن الرشدية في اوروبا
رأت النور مدرسة اخرى كانت تسمى السيناوية نسبة الى الفيلسوف ابن سينا،
ومعلوم ان هذا الفيلسوف لم يؤِثر باعتباره فيلسوفا فحسب بل اثر كذلك
باعتباره طبيبا كذلك، بقي كتابه »القانون في الطب« يدرس في جامعات اوروبا
حتى نهاية القرن الثامن عشر.
وبين د. ماضي اننا ازاء قمم وشوامخ فلسفية عربية
الا اننا في الوقت الراهن نفتقر الى امثال هؤلاء، صحيح ان ثمة يقظة فلسفية
في الوطن العربي واخص بالذكر المغرب العربي الا ان هذا اليقظة لم تنجب
فلاسفة من مستوى عالمي، اعني انهم يؤثرون في الآخرين بحيث يفضي هذا التأثير
الى تأسيس مدارس واتجاهات كما كان قد حدث في اوروبا في عصر النهضة، ورغم ان
فلاسفتنا في الوقت الراهن يسعون الى الآصالة والتجديد الا ان معظمهم يدور
في فلكين احدهما اكبر من الثاني اعني الفلك العربي اما الفلك الثاني فهو
الفلك العربي الاسلامي الوسيط.
واكد ان معظمنا متأثر اما بالغربي او بالتراث
العربي الوسيط موضحا اننا لن نتقدم في المجال الفلسفي الا بمزيد من التحرر
من هذين المؤِثرين ومزيدا من الابداع والاستقلال.
د. توفيق شومر رئيس قسم العلوم الانسانية بجامعة
فيلادلفيا تحدث الفلسفة العربية بين الامس واليوم فقال: المشكلة الاساسية
في قضية المقارنة بين الفلسفة العربية بالامس واليوم ان هذه المقارنة هي
تجد ذاتها مقارنة مجحفة فالفلسفة العربية القديمة كانت هي الاساس في
الدراسات العلمية والمعرفية في زمانها لكن وللظروف التي ترافقت مع انهيار
الحضارة العربية الاسلامية تراجعت مكانة الفلسفة الى الحد الذي وصلت صورتها
في التفكير الجمعي العربي الى حد القول بان »من تمنطق فقد تزندق« مما ادى
بالفلسفة لان تكون في مرتبة دنيا من مراتب الانتاج المعرفي في المجتمع
العربي، فاذا ما تم تجاوز هذا العامل المهم في المقارنة فيصبح الشق الثاني
من التساؤل مهما وضروريا: لماذا لا يوجد فلسفة عربية جادة اليوم؟
ولماذا نرى ان المفكرين العرب والمتشغلين
بالفلسفة اليوم يعتمدون على الفكر الغربي؟
موضحا ان الاجابة على هذه التساؤلات تنبع من ان
المجتمع العربي حتى يومنا هذا ينظر في عقليته الجمعية بشكل دوني الى
الفلسفة ومن لا ينظر بهذا الشكل فانه يتعامل معها بشيء من الربية احيانا
والخوف من احايين اخرى، فهذا الكيان اللغوي الذي يستخدم مصطلحاته الخاصة
ولغته الخاصة التي تعجز في كثير من الاحيان عن الاتصال والتواصل مع المجتمع
المحيط انما يصعب التعامل معه، وبالتالي يصبح العزل والتهميش ردة الفعل
المعتادة لهذا المجتمع واذا ما بقيت الفلسفة بعيدة عن ان تكون مكون اساسي
في التكوين العلمي والمعرفي للطالب العربي فانها ستبقى دون ادنى شك في هذا
الموقع، الموقع المهمش والمعزول وفي الاطراف يصبح التميز والابداع عمل شاق
وتصبح الحاجة للتواصل مع من يمكن التواصل معهم الهم الشاغل للمشتغل الحقيقي
بالفعل الفلسفي فلا يكون منه الا ان يندفع في اتجاهات ثلاث:
الاول هو التقوقع حول مجموعة من الاقران الذين
يجتمعون في صالونات ثقافية يناقشون افكار بعض فيثني الاول على الثاني
وينتقد الثالث عمل الرابع وهكذا وفي هذه الحلقة تعيش الفلسفة حالة هلامية
من التكرار والجمود الذي لا ينتج الجديد ولا يقدم ما يمكنه ان يكون هما
فكريا للمجتمع المحيط اما الاتجاه الثاني يتمحور حول العمل الاكاديمي
الرصين الذي ينتجه بعض المفكرين في الوطن العربي من خلف شاشات كمبيوتر او
من خلال اقلامهم وقراءاتهم دون التعامل مع الاخر المحلي الا بمقدار الحاجة
للتواصل المرتبط بتأمين القوت اليومي، وبهذه الحالة يصبح انتاج المقدم نتاج
من النوع الاكاديمي الصعب الذي لا يصل بأى شكل الى الافراد والمجتمع وفي
اغلب الاحيان يكون افراد هذه المجموعة ممن عاشوا في الغرب لفترة طويلة من
الزمن فعادوا ليتقوقعوا حول كتبهم وابحاثهم .
الاتجاه الثالث ينبع من الهروب من القيود
الهرطقية التي يفرضها المجتمع كهالة على المشتغل بالفلسفة الى بيئات يمكنها
ان تستوعب الطرح النفسي وهنا اقول ان هذه البعثات ليس بالضرورة بيئات
غربية، فبيئة كالبيئة الايرانية مثلا، وهي بيئة اسلامية، بيئة مناسبة للفعل
الفلسفي، فهي تضع الفلسفة في مرتبة عليا من مراتب الانتاج المعرفي
والفيلسوف هو المنتج الاساسي للكثير من الافكار التي يعمل بها على
المستويات السياسية والاجتماعية ولكن الكثير من المشتغلين في الفلسفة
يذهبون الى بيئات غربية تقدر الجهد الفكري الذي يقدموه.
هذه المجموعة هي في العادة ممن تستطيع ان تقدم
نتاج فلسفي يمكنه ان يخرج من بوتقة المحلية وبوتقة الكتابات المختصة في
تاريخ الفلسفة »وهي الكتابات الاكثر انتشارا في العالم العربي« الى
الكتابات الفلسفية الرصينة والتي لا تجد طريقها للنشر في الوطن العربي بل
في المجلات العالمية.
اما عن السؤال الاخر والمتعلق بكون المشتغلين
بالفلسفة يهتمون بالفكر الغربي اليوم اكثر من اهتمامهم بالفكر العربي -
الاسلامي فالرد على هذه المقولة يكون بالنظر الى مرحلة الازدهار الفلسفي
العربي وفيها نجد ان الفلاسفة العرب لم يعزلوا انفسهم عن الفكر الفلسفي غير
العربي، بل على العكس تماما كانت نتاجاتهم الاهم هي تلك النتاجات التي
ناقشوا فيها اطروحات الفلاسفة العظام والتي تمكنوا فيها من نقد هذه
الاطروحات او من تطويرها بما يتلاءم مع حاجات الراهن الذي عايشوه، وهذا هو
التصرف الطبيعي للعمل الفلسفي ايا كان مكانه او مصدره فالفلسفة فعل سجالي
يحتكم لمتطلبات السيرورة الداخلية لهذا الفعل وبالتالي فالمشتغل بالفلسفة
لا يمكنه ان يقدم الجديد بمعزل عن ما يطرح على المستوى الفلسفي وبالتالي
تنبع الحاجة لقراءة الفعل الفلسفي الذي يقدم على المسرح العالمي اليوم لكي
يستطيع ان يقدم المشتغل بالفلسفة او الفيلسوف الجديد والمختلف عن هذا
الفكر، فلا تكون مهمة الباحث اعادة اكتشاف العجلة، او تقديم حجة ضعيفة
لصالح فكرة ما بينما يكون هناك في التراث الفلسفي العالمي حجج اقوى مقدمة
لصالح تلك الفكرة.
واكد د. شومر: ان الفعل الفلسفي راق ويحتاج الى
ازدهار حضاري فكلما ارتقي المجتمع على المستوى الحضاري ارتقت الفلسفة
وتحولت لتكون في الموضع الاهم في حلقات الانتاج المعرفية اردنا كمجتمع عربي
ان نعيد امجاد الفكر العربي فهذا لن يكون بالانعزال عن الفكر الانساني
والفكر العالمي انما يكون بحركة النقاش والسجال مع هذا الفكر، وبالوقت ذاته
بتحول الفلسفة ولغتها لتكون لغة مفهومة لدى المجتمع المحيط، الرقي بالتفكير
والرقي في مهارات التفكير ومهارات بناء المحاجة ومهارات الاقناع بقضايانا
لا يكون الا بتعلم الفلسفة والمنطق.
اما الباحث والكاتب موفق محادين بين ان الفلسفية
العربية عاشت تجربة المركز الامبراطوري »العربي- الاسلامي« فقال: تنصرف
المشاركة الفلسفية الى حقلين، عام وخاص، وفيما يتحدد العام غالبا في اطار
المراكز والدولة والمشاريع السياسية الكبرى، يرتبط الخاص وبالضرورة
بالمستوى الاجتماعي لتطور المحيط وبالبلدان الاقل تطورا، مبينا في هذا
المعنى فان المشاركة الفلسفية العربية عاشت تجربة المركز الامبراطوري
»العربي- الاسلامي« وما رافقها من اعادة انتاج خلافة للارث الفلسفي الشرقي
واليوناني »ابن رشد - ابن باحه- الفارابي الخ« كما تعيش منذ اواخر القرن
التاسع عشر تجربة المحيط المتلقي بمدارسه المختلفة وخاصة الفرنسية
والالمانية.
واضاف بان التجربة الاخيرة اقتصرت على استهلاك المساهمات الاوروبية بدون
»قيمة مضافة« خاصة لا في الحقل الفكري والمعرفي ولا في الحقل الادبي بل ان
الاجتهادات التي تخص قضايانا المباشرة مثل الاسلام والامة ظلت صدى للمدارس
والتيارات الاوروبية.
اركون- ابو زيد والظاهرة المغربية عموما ويعود
ذلك الى ان اية مساهمة فلسفية خاصة وذات شأن مرتبطة بارهاصات دولة قومية او
طبقية اجتماعية تاريخية صاعدة »البرجوازية او البروليتاريافي الحالة
الماركسية«.
موضحا انه في قلب الثورة البرجوازية الصناعية ودولة السوق القومي الاوروبية
نهضت العقلانية والحداثة وفلسفة الحق وها هي الرأسمالية في حقبتها
الامبريالية تحمل معها اللاعقلانية وما بعد الحداثة وغيرها من المفاهيم
الفلسفية التي تترك بصماتها على الحقول والعالم كله وفي كل هذه الازمنة ظل
العرب على اطراف الفلسفة لانهم على اطراف السياسة وما قبل الدولة القومية
التي تحظى باهتمام المفكرين باستثناء اقلية منهم مثل الياس مرقص وياسين
الحافظ.