مجلة العربي الكويتية
1 ابريل 2003
رفيق معلوف
ثمة دلائل جديدة على أن اللغة العربية هي أول اللغات التي عرفتها شعوب العالم منذ القدم, فبعد سنوات من ليّ الحقائق وتزييفها تأتي الأبحاث والدراسات والكشوف الأثرية الحديثة لتؤكد أهمية لغة الضاد.
يقول العلاّمة الروماني بلينوس صاحب كتاب (التاريخ الطبيعي) (37 جزءاً) الذي قضى نحبه في انفجار بركان الفيزوف سنة 79 ميلادية (إن الشعب الفينيقي حظي بالشرف العظيم لاختراعه حروف الأبجدية). وكان المؤرخ اليوناني هيرودوتس قد سبقه بخمسمائة سنة إلى مثل هذا الإقرار في كتابه (التواريخ) حيث يقول (إن أولئك الفينيقيين الذين قدموا إلى اليونان مع قدموس حملوا معهم الأبجدية التي لم يعرفها الإغريق من قبل).
ومع أن معظم المؤرخين القدامى ينسبون اختراع الأبجدية إلى الفينيقيين, فإن المؤرخ ديودوروس الصقلّي الذي عاش في القرن الأول ق.م. ينقل عن مراجع في جزيرة كريت أن الأبجدية هي من ابتكار السوريين الكنعانيين, وربما غيرهم, وأن الفينيقيين قاموا فقط بإدخالها إلى اليونان حيث اقترنت باسمهم وعرفت بالحروف الفينيقية.
وتؤكد الأسطورة الإغريقية على أي حال, أن قدموس الفينيقي ابن الملك أجينور أسس مدينة طيبة اليونانية ونشر فيها الأبجدية. وكان قدموس - بحسب الأسطورة المذكورة - قد جاء يستردّ أخته أوربا التي سمّيت القارة الأوربية باسمها, من قبضة خاطفها إله الآلهة (زفس), فقتل التنين القائم على حراستها في مقاطعة بيوسيا, وذرّ أضراسه في بلاد الإغريق بأمر من الآلهة أثينا, فنشأت مدينة يونانية في كلّ صقع وقع عليه ضرس من أضراس ذلك التنين!!
من الخليج
وقد ثبت عموماً للباحثين أن الأساطير تصدر في الأساس من وقائع تاريخية حقّة لا يلبث أن يعبث بها خيال الرواة, فيلبسونها الحلل الملائمة لأذواقهم, ويجتهدون في تنميق حواشيها وتزيين أطرها وحاوياتها البيانية بضروب المحسّنات الخبرية والطرائف القصصية الملائمة لأذواق العامة, مما يستأثر بإعجابهم ويلهب حماستهم. لكنها لا بد أن تكون مرتكزة في المنطلق على حدث راهن حقيقي ومنبثقة عنه.
واستناداً إلى هذا الدليل المنطقي الذي يحظى بشبه إجماع, بات من المسلّم به في الأوساط العلمية كافة أن الفينيقيين هم الذين علّموا الأبجدية للعالم القديم, سواء أقال بعض المتضلعين في هذا الموضوع أن أولئك الفينيقيين تعلموا حروف الكتابة من السوريين أو الفلسطينيين الكنعانيين أو من المصريين الذين طوروا الهيروغليفية أي الكتابة بالصورة المعبّرة, إلى ما عرف بالحروف السينائية نسبة إلى سيناء, أو قال آخرون إن الحروف الفينيقية تعود في جذورها إلى حروف الكتابة المسمارية التي نشأت في العراق وانتشرت في سوريا الشمالية كما اعتمدت إلى حين في مدينة أوغاريت الساحلية المواجهة لجزيرة قبرص. وممّا ترسمت في نهجي التحليلي خلال ردح من العمر صرفته في تقصي المعلومات المتداخلة عبر المؤلفات والموسوعات المتخصصة, هو أن أتقصّى منابت الفينيقيين ومهاد نشأتهم قبل أن يستوطنوا الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من مشارف الإسكندرية إلى خليج الإسكندرون, ويبنوا مدائنهم المزدهرة على الوجه البحري لسوريا ولبنان وفلسطين. وهو أمر قلّما حفل به المؤرخون الأوربيون الذين ركزوا اهتمامهم على كشوف الفينيقيين وفتوحاتهم في البحر المتوسط وعبر مضيق جبل طارق المعروف عند القدماء (بأعمدة هرقل) وصولاً إلى أوربا الأطلسية الشمالية وإفريقيا الغربية, واحتمالات ولوجهم (بحر الظلمات) إلى القارة الأمريكية قبل عشرات القرون من رحلة كولمبوس, في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.
وقد تبيّن لي من خلال تمحيص دقيق لأبحاث العلماء الذين فتشوا عن أصول الفينيقيين أنها تعود إلى جزيرة العرب, وبالتحديد إلى منطقة الخليج العليا المترامية بين شط العرب ورأس أبي مشاط ورأس العرق على الحدود بين قطر والإمارات العربية المتحدة, بما في ذلك الهضاب النجديّة على المنحدر الشرقي نحو الخليج.
الفينيقية.. عربية
وتؤيد هذا الاقتناع الذي توصلتُ إليه, الخرائط الافتراضية التي وضعها بعض المؤرخين الثقات, وخصوصاً الفرنسيين بينوا ميشان في كتابه (ابن سعود أو مولد مملكة), وغودفروا دي مومبين في كتابه (محمد), حول الهجرات السامية السابقة للإسلام من جزيرة العرب إلى بلاد الشام والعراق, وكذلك الملاحظات التي دوّنها الرحالون الكبار منذ فجر التاريخ, وعلماء الآثار في الأزمنة المتأخرة.وأستطيع القول بثقة متوافرة إن هنالك موجتين من الهجرة العربية نحو الشمال حملتا معهما رسالتين حضاريتين هما: الفتح الإسلامي الذي علّم بكتاب الله المبين, وقبله متقدماً في الماضي السحيق, الفتح الفينيقي الذي علّم بالأبجدية العربية!!
ففي تقارير العالم الفرنسي الخبير في الآثار جان فرانسوا سال الذي أجرى مع فريقه حفريات واسعة في جزيرة (فيلكا) الكويتية سنة 1983, أن الحضارة المعروفة باسم حضارة (ديلمون) التي سادت في الكويت والبحرين وقطر وسائر الموانئ الدافئة على الساحل العربي للخليج بين سنة 2500 وسنة 1500 قبل الميلاد, هي حضارة فينيقية مائة في المائة! وقد تمّ اكتشاف آثار ناطقة في تلك المدن والمرافئ, وما يليها من الصحارى والجزر المتاخمة لها, هي صور طبق الأصل عن آثار جبيل (بيبلوس) وصور وصيدا (صيدون القديمة) وبيروت ورأس شمرا وأوغاريت وجزيرة أرواد وعكا وجبل الكرمل. كما أن بعثة العلماء الدانماركيين التي أجرت هي أيضاً حفريات مهمة في جزيرة (فيلكا) ابتداء من سنة 1958 كانت قد نوّهت منذ العام 1963 بالشبه الخارق بين آثار حضارة (ديلمون) وآثار فينيقيا. ويكاد معظم خبراء الآثار الذين دأبوا على التنقيب في إمارات الخليج يجمعون على أن الكتابات المكتشفة في تلك المناطق تشبه إلى حدّ بعيد الكتابات الفينيقية القديمة المكتشفة على سواحل الشام, وأهمها حروف الأبجدية المحفورة على ناووس الملك أحيرام في مدينة جبيل والعائد إلى القرن الثالث عشر ق.م.
من هنا أميل إلى الاعتقاد الجازم بأن العربية الفصحى المعروفة بلغة قريش والتي تنزّل بها القرآن وكانت منتشرة قبل الإسلام بقرون في جزيرة العرب, هي نفسها اللغة التي جسّدها الفينيقيون في حروف ودوّنوها على نظام الأبجدية (أبجد, هوّز, حطي, كلمن, سعفص, قرشت, ثخذ, ضظغ)! وقد دأب هؤلاء الفينيقيون الذين عرفوا بالملاحة منذ فجر التاريخ في مرافئهم الخليجية, على استكشاف جزيرة العرب وسواحل إفريقيا الشرقية وجنوب شرقي آسيا, قبل نشوء حضارة (ديلمون) وفي سياق نموها, فاتجهت قوافلهم البحرية عبر مضيق هرمز إلى باب المندب والبحر الأحمر وأسسوا المستعمرات في جنوب الجزيرة العربية, أمثال مسقط وخلف وسلاّلة وسيحوت والمكلاّ وعدن, ثم الحديدة وجازان والليث وجدّة وينبع وغيرها على شواطئ اليمن والحجاز, وكذلك حلايب ومرسى علم والقصير وسواكن ومصوع على سواحل مصر والسودان وإريتريا في البحر الأحمر.
حروف وأرقام
ويخطئ من يعتقد أن عبدالرحمن النحلاوي المعروف بالبهلول كان أول من رتّب نظام الأبجدية ورقّم حروفها من 1 إلى 1000 لغرض التأريخ بالشعر.
فقد دلّت الكشوف الأثرية العديدة في القرنين الأخيرين أن الفينيقيين كتبوا الأبجدية قبله في الجاهلية الأولى بترتيب (أبجد هوز) الذي أشرنا إليه أعلاه, وهم أول من اعتمد 28 حرفاً لتلك الأبجدية بحسب مخارجها من الحلق رقّموها من 1 إلى 1000 لأغراض الحساب الذي تفرضه التجارة وذلك على الشكل الآتي:
أ - 1 |
ع - 70 |
د - 4 |
هـ - 5 |
ب - 2 |
ف - 80 |
ط - 9 |
ي - 10 |
ج - 3 |
ص - 90 |
ن - 50 |
س - 60 |
و - 6 |
ش - 300 |
ق - 100 |
ر - 200 |
ز - 7 |
ت - 400 |
خ - 600 |
ذ - 700 |
ح - 8 |
ث - 500 |
م - 40 |
ظ - 900 |
ل - 30 |
ض - 800 |
ك - 20 |
غ - 1000 |
وقد أسقط الفينيقيون الأوائل الخصائص الصوتية للألف والواو والياء واعتبروها فقط أحرفاً صامتة تعبر عن صورة إخراجها من الفم (صحوة, هيئة, مأسدة), مكتفين باستعمالها أدوات لمد حركة الصوت عندما تلحق بحرف صامت آخر (زياد, سمير, خلود) ولم يتم إدخال الفتحة والضمة والكسرة والسكون وغيرها من أدوات الشد والمد والتنوين, على الكتابة إلا في زمن متأخر, بل كان استعمال هذه الأدوات الصوتية عند القدماء سماعيا فقط.
كذلك أسقط الفينيقيون بعض الحروف الصامتة غير المنطوق بها في العربية القديمة إلا نادرا, كحرف (G) الذي كانت تستعمله تميم بديلا عن الجيم أو (J), ومازال استعماله معتمدا في وادي النيل, أو حرف (P) أو حرف (V) وغيرها, لحصر حروف الأبجدية في 28 حرفا ثابتا, وذلك لكون الرقم 28 يعبر عن ظواهر فلكية أو فيزيولوجية أو زمنية ذات أثر في نظام حياتهم وخصوصية معتقداتهم. فهو يطابق أيام الشهر القمري, ودورة حيض المرأة, ولو قسمناه على الرقم 4 عدد فصول السنة لحصلنا بذلك على الرقم 7 وهو عدد أيام الأسبوع, ويرمز إلى البحار السبعة والسماوات السبع, وعجائب الدنيا السبع... الخ.
ويرى فريق من العلماء أن ترتيب حروف الأبجدية على النظام المعروف لم يتم هكذا بعامل صدفة, بل كان ينطوي على غرض علمي فلكي أو غاية منفعية أو معتقد ديني. وفي طليعة الذين ذهبوا هذا المذهب سنة 1978 المستشرق الإيطالي الشهير آليسندرو بوزاني الذي تخصص في الفلكيات الشرقية العربية والفارسية والهندية. وهو يميل إلى كون رموز الأبجدية العربية ذات علاقة بالظواهر الفلكية, وكون ترتيب حروفها على النحو المعتمد إنما وضع في الأساس لتحديد فصول السنة وطول النهار والليل أو قصرهما بحسب مدار الشمس والقمر ومسار الكواكب شتاء وصيفا. ويخلص بوزاني إلى أن الأبجدية كانت شبه روزنامة ثابتة يستدل بها الملاحون في البحر والضاربون في الصحراء على الأحوال الجوية ويتحوطون لعناصر الطبيعة وتبدلاتها في المجاهل والمستصعبات.
هربا من الطاعون
ويخطئ من يعتقد كذلك أن الفينيقيين وصلوا إلى سوريا ولبنان وفلسطين بحراً. فقد كان ذلك أمراً مستصعباً في الألف الرابع أو الثالث قبل الميلاد, لأنهم لم يكونوا قد طوروا أساطيلهم البحرية بحيث يدورون دورة رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا ليصلوا إلى المتوسط, ولو حصل ذلك لكان في وسعهم أن يستوطنوا إسبانيا أو إيطاليا أو صقلية أو أي بقعة ملائمة في شمال إفريقيا, ولم يتجشّموا عناء الوصول إلى البرّ الآسيوي في حوض المتوسط الشرقي حيث توطنوا سواحل الشام. لذلك يبدو أقرب إلى منطق الأشياء أن تكون هجرتهم إلى المتوسط الشرقي حصلت من طريق البرّ. ويرجح فريق من العلماء أن يكون وباء الطاعون الجارف هو الذي دفعهم إلى الهجرة الكبرى في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد.
ومع أنهم أقاموا علائق جيدة مع مصر الفرعونية ابتداء من الألف الثالث ق.م. إلا أن الآفاق البحرية التي اقتحموها باتجاه الغرب حيث أنشأوا المدن العامرة والمواقع العسكرية والتجارية المميّزة في أوربا وشمال إفريقيا لم تصرف أنظارهم عن الداخل السوري حيث بسطوا نفوذهم إلى تدمر, وأقاموا تحالفاً مع دمشق وامتدادات سلطتها في البلقاء وحوران, فاتحين أمام قوافلهم الطرق البرية المأمونة لتوفير اتصال دائم مع موطنهم الأصلي في الخليج ونجد. وبقي التواصل على خير ما يرام بين المقيمين هناك في الخليج والمستوطنين في مدن فينيقيا عبر طريقين, إحداهما بريّة مباشرة, والأخرى برمائية تتجه براً إلى العقبة, ثم تجتاز البحر الأحمر إلى المحيط الهندي ومنه إلى الخليج العربي, هذا إلى أن قامت إمبراطورية الفينيقيين البحرية الكبرى في الغرب, وباتت قوافلهم تجوب المحيط الأطلسي وتنتقل عبر رأس الرجاء الصالح إلى جنوب الجزيرة العربية ثم تجتاز مضيق هرمز إلى بلاد المنشأ.
ويقول الرحالة والبحاثة الإغريقي سترابون في (موسوعته الجغرافية الكبرى) نقلاً عن أمير البحر نياركوس قائد أسطول الإسكندر المقدوني, إن الملاّحين الفينيقيين هم الذين كانوا (يرشدون السفن اليونانية في بحار ديلمون لمعرفتهم الدقيقة بخصائصها).
الأبجدية والألفبائية
ولعل أكثر ما يثبت لنا أن الفينيقيين حملوا معهم الأبجدية العربية الأصليّة من ديارهم الأولى في الخليج العربي إلى لبنان وسوريا وفلسطين ولوحات الحروف المحفورة على الحجر وبعض نواويس الملوك في جبيل وصور وأوغاريت ورأس شمرا, وهي تعتمد نظام (أبجد هوّز) دون نظام (الألف باء) الذي اعتمد في اللغات اللاتينية وانتقل منها إلى العربية المعاصرة في زمن متأخر. ولكن هذه الأبجدية المكتشفة خلال عشرينيات القرن الماضي تتألف من 22 حرفاً بدلاً من 28, وقد سقطت منها أحرف (ثخذ وضظغ). واتضح لنابعد جهد جهيد في تمحيص الاحتمالات الممكنة لسقوط هذه الأحرف الستة, أن الفينيقيين أسقطوا هذه الأحرف بأنفسهم لأنها كانت بدوية الجرس عسيرة اللفظ غير ملائمة لتداول الشعوب البحرية التي علموها أبجديتهم وتعاملوا معها في الحوضين الشرقي والغربي للبحر المتوسط, فضلاً عن كونها لا ترد إلا نادراً في اللغات التي تنطق بها تلك الشعوب, وهي مستصعبة الأداء في النطق ثقيلة على أسماع الأمم التي اكتسبت لدانة الحياة البحرية ولم تألف خشونة الصحراء. ولابد هنا من لفت القارئ إلى النموذج البياني للحروف الفينيقية كما اكتشفت بترتيبها الأبجدي العربي, وهو ترتيب يختلف تماماً عن ترتيب (الف, باء, سين, دال, الخ...), الذي اعتمد في الكتابات اللاتينية المقتبسة من الكتابة الفينيقية الأصلية, وقد أثبتنا هذا المخطط البياني في موضع آخر من هذه المقالة.
يضاف إلى ذلك أن الكتابة بالحروف الفينيقية كانت تتمّ من اليمين إلى اليسار وذلك على مثال الكتابة العربية التي احتفظت بهذه الظاهرة إلى اليوم. ولم تكن الحروف العربية القديمة نفسها موصولة في الأساس إلا جزئياً, وقد تمّ وصلها كلياً بعد أن جمع الخليفة عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) المصحف الشريف وتبيّنت مستصعبات قراءته, وذلك تسهيلاً لمهمة المقرئين في التجويد, كما أضيفت إلى الحروف نقطها اللازمة في اللفظ للحئول دون أي التباس, وزوّدت بالحركات الصوتية وغيرها من الأدوات لتفادي العثرات النحوية واللحن والإقواء.
ونشير في ختام هذه الدراسة الشاقة والمتشعبة إلى أنه كان لبعض الأجانب المغرضين ولا يزال, حضور تخريبي في الكشوف الأثرية الشرقية, خصوصا في عملية البحث طيلة القرنين الماضيين عن آثار فينيقيا, وقد عملت أصابعهم الخفية على طمس العديد من المعالم الأثرية اللبنانية والفلسطينية والسورية التي تؤكد أن بعض نصوص التوراة سرقت من ملاحم جلجامش وأوغاريت وأن مدينة بيبلوس (جبيل) فرضت اسمها على تلك التوراة التي عثر في رأس شمرا على كتابات قديمة تؤكد بما لا يقبل التأويل أن (نشيد الأناشيد) مقتبس منها. كذلك تسلل الحاقدون على العرب إلى آثار ديلمون, وكثيرا ما أوحوا باطلا في يومياتهم بأن آثار الخليج والحجاز وتهامة والعسيرين واليمن الجنوبي عائدة إلى العبرانيين, وهو تشويه لمنابع الحضارات القديمة في جزيرة العرب تتيح لهم محاولة الاستيلاء على تلك المناطق في يوم من الأيام زاعمين أنها ملك لأجدادهم كما فعلوا في اغتصاب فلسطين.
هذا بصرف النظر عما نهبوه من كنوز أثرية خلال احتلالهم فلسطين منذ العام 1948 واجتياحهم لبنان سنة 1982, وقد حاولوا دائما أن يثبتوا بأي وسيلة أن الفينيقيين شعب لا علاقة له بالعروبة من قريب أو بعيد, للانتقاص من فضل الأمة العربية على الحضارة وطمس معالم التفوق التي سجلها العرب في ميادين العلوم والنظم الاجتماعية منذ الجاهلية الأولى وفي عصور متقدمة قبل ظهور الإسلام