Arabic symbol

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

 

 

 

 

 

فلاسفة العرب

الخليج والثورات العربية
 
بحث مخصص

 

alarab logo

جريدة العرب القطرية

 18 أبريل 2011

815

سعيد حارب


سيسجل التاريخ أن عام 2011 هو عام التحولات الكبرى في العالم العربي، فلم يسبق أن شهد العرب مثل هذه التحولات في تاريخهم الحديث، وقد فرضت هذه التحولات نفسها على كل بلد عربي بصورة أو بأخرى، ومن يظن أنه «محصن» عن التأثر بها فهو إما أنه يتجاهل هذا التأثير أو أنه يحاول أن «يختبئ» أمام الاستقرار الذي يعيشه مجتمعه، ولا يعني ذلك أن كل البلاد العربية مهيأة للدخول في ميدان الثورات الشعبية، لكن ذلك لا يعني أنها معصومة من التحولات التي يعيشها الآخرون، ويتوقف الأمر على حسن التعامل مع «العاصفة»، ومدى التجاوب مع هذه التحولات.
وإذا كنا نتحدث عن البلاد العربية بصفة العموم فإن منطقة الخليج العربي هي جزء من هذه البلاد تؤثر فيها وتتأثر بها، وقد وصلها بعض آثار هذه الثورات أما بصفة مباشرة أو غير مباشرة، لكنها استطاعت أن تصمد -حتى الآن- أمام هذه المتغيرات، ويتوقف الأمر في المستقبل على مدى تجاوب دول الخليج لا مع الثورات وإنما مع المتغيرات والأسباب التي أدت إلى هذه الثورات، ورب قائلٍ إن أسباب هذه الثورات ليست متوفرة في دول الخليج العربي، فنسبة الفقر لا تقارن بما هي عليه في بعض الدول العربية، فقد استطاعت دول المنطقة أن توفر حياة جيدة لمواطنيها وللمقيمين على أرضها، إضافة إلى أن طبيعة العلاقة الاجتماعية بين الشعوب والأنظمة في هذه الدول تختلف عما هي عليه عند الآخرين، وأخيرا فإن حالة الحراك السياسي في المنطقة -باستثناء الكويت والبحرين- لا تكاد تذكر في بقية الدول، مما يعني أن القوى السياسية ليس لها حضور، وغير قادرة على إثارة أي مشكلة سياسية.
إن كل تلك الحقائق حاضرة أمام الباحث والمتابع للشأن الخليجي، لكن مع ذلك فإن طبيعة الأحداث لا تجعل «الاطمئنان» سيد الموقف، فالذين خرجوا في الميادين والمدن والساحات العربية كانت مطالبهم -في البدء- مطالب معيشية كتوفير فرص العمل ومحاربة الغلاء، ثم تطورت إلى محاربة الفساد وضرورة محاسبة الفاسدين، وحين لم تجد لها صدى ارتفعت المطالب بعد ذلك لتطالب بالحرية والديمقراطية والمشاركة، ولذا فلا يمكن الاطمئنان إلى القول إن المنطقة لا تواجه مشكلة مطالب معيشية علما بأن هذه المطالب يمكن أن تبرز في أي لحظة، وهي حاضرة في المنطقة وإن اختلفت وتفاوتت نسبتها من بلد خليجي لآخر، لكن لا يمكن نفي الظاهرة، بل هي في ازدياد خاصة مع الارتفاع السريع في أسعار المواد الضرورية ومتطلبات المعيشة، إلى جانب الأزمة الاقتصادية وتراجع فرص العمل، والإعالة الحكومية واتساع دائرة البطالة، فقد أشارت المؤسسة العربية «تالينت ريبابلك دوت نت» في تقرير لها إلى أن معدل البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي وصل إلى مستويات تنذر بالخطر، إذ بلغ %8.8 في 2009، بينما بلغ %10.5 في عام 2010 رغم أن دول المنطقة تستقبل في كل يوم آلاف العاملين من الخارج!! ولذا فلا يمكن الاعتماد على الحالة الاقتصادية كضمان دون تأثر المنطقة مما يجري حولها، وبخاصة أن المطلب الآخر وهو الحريات العامة والديمقراطية لا علاقة لها بالمستوى المعيشي، فنظرية مقايضة الرفاه بالحقوق التي عاشت عليها المنطقة خلال العقود الماضية لم تعد مناسبة للمرحلة القادمة، فقد أذكت الثورات العربية المطالبة بهذه الحقوق التي تجد لها آذانا صاغية في المحافل الدولية والدول المتقدمة التي ستجد نفسها أمام موقف تضطر فيه إلى الوقوف مع هذه المطالب التي «كثيرا ما» دعت إليها وأيدتها، وما حدث في تونس ومصر خير شاهد على ذلك فقد تخلت القوى الكبرى الغربية عن نظامين حليفين قويين لها، مقابل حساباتها الخاصة و «التزاما» بمصداقيتها الداعية للحرية والديمقراطية.
وإذا كانت نظرية الرفاه مقابل الحقوق لم تعد مناسبة فإن نظرية العصا والجزرة لم تعد مناسبة كذلك للمرحلة القادمة، فقد أثبتت التجارب القريبة أن القوة وحدها ليست السبيل لمواجهة الثورات العربية، وربما أدخلت المجتمعات في مواجهات عنيفة وشقت صفها وأشاعت الفوضى، فالقوة وحدها لا تكفي لمعالجة كل الأمور، أما القول بأن الشعب في منطقة الخليج ليس «مسيسا» فذلك قول يخالفه الواقع، فالمتتبع للمواقع الاجتماعية على الشبكة الإلكترونية يجد أن الشباب في المنطقة على وعي تام بالقضايا السياسية في منطقته وأنه يتفاعل معها من خلال هذه المواقع، وإذا علمنا أن الثورات العربية إنما بدأت من خلال المواقع الإلكترونية في مجتمعات كان «حظها» من التكنولوجيا قليلا فإن منطقة الخليج العربي من أكثر مناطق العرب استخداما لهذه الوسيلة.
إن كثيرا من المتحدثين الذين يحاولون تجاوز الواقع «قد» يكررون ما يقوله «البعض» من أنه لا يوجد شيء في المنطقة وأنه «كله تمام»، وأنكم تبالغون في إثارة هذا الموضوع متأثرين بما يدور في المنطقة، وتلك «الجرعة التخديرية» لا تمنع الآخرين من أبناء المنطقة من الإشارة إلى مواطن الخلل في مجتمعاتها حتى تتجنب السير في الطريق نفسه الذي سار فيه الآخرون، حماية لأوطانها ومجتمعاتها ولطبيعة العلاقة الاجتماعية بين أطياف المجتمع الخليجي، وقديما قيل: صديقك من صدَقك لا من صدَّقك!!