Arabic symbol

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

 

 

 

 

 

 

فلاسفة العرب

نظرية المؤامرة والثورات العربية
 
بحث مخصص

 



سعود بن هاشم جليدان
صحيفة الإقتصادية
23 مارس 2011


تورطت بريطانيا بشكل مباشر بتأليب العرب على الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، وذلك للقضاء على مبدأ الخلافة والتخلص منه إلى الأبد. ومع التجاوزات الكبيرة والظلم الذي تعرض له العرب في نهاية الدولة العثمانية إلا أن التخلص من فكرة وحدة المسلمين بوجود الخلافة العثمانية كانت من أبرز أهداف الدول الغربية. ونشطت بريطانيا والقوى الاستعمارية الأخرى بتشجيع التوجهات القومية في منطقة الشرق الأوسط منذ مئات السنين، وقدمت الدعم المادي والمعنوي للحركات المناهضة للدولة العثمانية، التي آخرها الثورة العربية الكبرى. واستبشر العرب بالثورة العربية الكبرى ورأوا فيها خلاصاً من الظلم العثماني وتأسيساً لدولتهم، ولكن الغرب حول تلك الثورة لمصلحته واستغلها لهدم ما تبقى من الدولة العثمانية فقط. وتفككت الدول العربية والإسلامية إلى دول أصغر قائمة على القومية أو الإقليمية الضيقة مما قلص من المخاطر التي كان يراها الغرب من توحد المسلمين والعرب. وبعد عشرات السنين بدأ الغرب يرى في الدول الوليدة تهديداً لمصالحه بسبب ما يراه من تعاظم نموها السكاني والتهديد الأمني لمصالحه ولحماية إسرائيل التي يرعاها بكل عناية.

وجاءت أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) 2001م كفرصة ذهبية لتحقيق جميع الأهداف الغربية دفعة واحدة باستخدام القوة وتفكيك المنطقة إلى دويلات قائمة على اعتبارات محلية ضيقة مع السماح بإبقاء هذه الدويلات داخل منظومة دول مركزية ضعيفة. وتم غزو العراق وتأسيس دولة مركزية ضعيفة مبنية على أسس عرقية ومذهبية، وقد كانت الولايات المتحدة تهدف من غزو العراق وبشكل صريح إلى بناء نموذج يحتذى به في المنطقة، وذلك لإغراقها في بحر من التناقضات والنزاعات تحد من صعود قوى عربية وإسلامية جديدة. ولكن أحداث العراق أجبرت الغرب على التوقف عن استخدام الأساليب العنيفة في التغيير وبدل سياسته باستخدام القوى الناعمة لإحداث تغيير ذاتي في المنطقة. وبعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) اشتدت ضغوط الدول الغربية على الأنظمة العربية لاستئصال الجماعات الإسلامية، ومحاربة مظاهر التدين، وتغيير نظرة المسلمين تجاه القضايا المتصلة بالغرب، بل سعت إلى تغيير السياسات الإعلامية، والحكومية، والمناهج الدراسية لكيلا تعكس أي تحد للهيمنة الغربية على المنطقة. ومن المؤسف أن بعض الحكومات العربية استأسدت في القضاء على الجماعات الإسلامية، ومحاربة العديد من المظاهر والشعائر الإسلامية مثل الحرب على الحجاب، ومراقبة المصلين. وقد أدت هذه السياسات إلى امتعاض حيز واسع من الشعوب العربية، وتدنت شعبية تلك الحكومات مع انتشار الفساد، وسيطر ذوو الاتجاهات الغربية من رجال الأعمال على صنع القرار في معظم الدول العربية. وصاحبت السياسات الهوجاء التي قامت بها بعض الحكومات العربية تدخل سافر في الشؤون الداخلية العربية من خلال المطالبات الرسمية، والعمليات الاستخبارية، والسعي لتعيين فاسدين موالين للغرب في المناصب الحكومية. واستخدم الغرب المساعدات الاقتصادية لخدمة مصالحه، والحد من نمو بعض القطاعات الاقتصادية من خلال تقديم ما يسمى بالمساعدات الفنية، ومن خلال دعم مؤسسات المجتمع المدني. واستغل الغرب والمستغربون وسائل التقنية الحديثة في تحطيم أسس المجتمعات التقليدية في الدول العربية.

وحاول الغرب بشتى الطرق بث المبادئ الغربية ودعم الاتجاه العلماني، ومارس ضغوطاً هائلة على دول المنطقة بحجة محاربة الإرهاب. وكان نتيجة ذلك تراخ كبير في الشعور بالقضايا الوطنية والقومية والإسلامية. واستخدمت أيضاً المساعدات الرسمية والخاصة لدعم نشر المبادئ الغربية. ويمكن من خلال النظر إلى المساعدات الأمريكية إلى مصر، الذي يعتقد الكثيرون مع الأسف أنها تقدم على شكل نقدي التعرف على الأساليب الملتوية للتأثير في صنع القرار. فأكثر من نصف المعونة بقليل موجه إلى الجيش المصري على شكل معدات وبرامج تدريب واستشارات. ولا يستبعد استخدام هذه المساعدات للتدخل في تعيين بعض قادة الجيش كشرط من شروط المساعدات، وذلك للحد من وصول شخصيات معينة إلى مراتب عليا. ويخصص الجزء المتبقي من المساعدات الأمريكية للصرف على استيراد سلع أمريكية، وخبراء، وفنيين أمريكيين يقدمون في الظاهر المشورة الفنية، ولكن قد يكون هدفهم الحقيقي تدمير مكتسبات الشعوب. وعمد الغرب إلى دعم ونشر فكرة الديموقراطية، التي تبدو حسنة في الظاهر، ولكن تطبيقها تحت ظروف معينة يهدف إلى إيجاد فوضى عارمة أسماها الغرب الفوضى الخلاقة (والغريب أن الغرب لم يسع إلى تطبيقها في دياره). ويتم بموجب آلية الديموقراطية المشوهة، التي يرغب الغرب في نشرها في منطقتنا لمحاربة المعتقدات الإسلامية، وبناء حكومات مركزية ضعيفة عاجزة عن بناء دول قوية وفعالة لمحاربة النفوذ الأجنبي، وإعطاء أهمية أكبر للحكومات المحلية مبنية على أسس عرقية ومذهبية وقبلية ضيقة تركز على القضايا المحلية، وتتعاون بشكل أكبر مع الغرب للحفاظ على وجودها. ولهذا قامت الولايات المتحدة بشكل صريح بغزو العراق، وفرض نظام علماني قائم على أسس طائفية وعرقية تتناقض مع مبادئ العلمانية التي يطبقها الغرب في دياره.

إن خروج الثورات العربية جاء ولا شك بسبب الشعور العام بالظلم والرغبة في التغيير، ولكن الغرب أسهم بدرجة قوية في إحساس المواطنين العرب بالظلم من خلال دعم سياسات الظلم والقهر لفترة طويلة، واستخدام وسائل الاتصال والإعلام التحريضية، والدعم المادي والمعنوي لمنظمات المجتمع المدني المروجة لمبادئه، والمساهمة في نشر الفساد المالي والأخلاقي والعمليات الاستخبارية. ويرتفع تساؤل عن سبب تخلي الغرب عن الأنظمة التي دعمها لوقت طويل؟ وأعتقد أن تخلي الغرب عن دعمه لبعض الأنظمة يرجع إلى انتهاء دورها والرغبة في دفع ما يسمى بنشوء حالة الفوضى الخلاقة للمنطقة، التي ستؤدي إلى تفكك دول المنطقة، وضعفها وتناحرها، وهذا سيقضي على كل ما يراه الغرب كتهديد مصدره العرب والمسلمون. لقد تعرضت منطقتنا وشعوبنا على مر التاريخ للتآمر حتى صرنا نفسر كل حادث يجري في المنطقة بأنه مؤامرة. والغريب أن نظرية المؤامرة اختفت في تفسير مسار الأحداث الأخيرة في المنطقة مع أن الثورات الأخيرة ركزت على المطالب المحلية فقط، واختفت القضايا القومية والإسلامية من مطالب الثوار. وتلقى الثوار دعماً فنياً تقنياً من جهات غربية، خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي، كما بدأ الإعلام الغربي والعربي التابع له في الترويج لادعاءات بثروات خيالية للحكام، التي لم يتم التطرق إليها خلال السنوات العشر الماضية. ومارست الحكومات الغربية ضغوطا كبيرة على الحكومات والجيوش للحد من حركتها خلال الأحداث. إن المؤامرة لا تأتي فقط من خلال التورط بشكل مباشر، وإنما تأتي أيضاً من خلال تهيئة الظروف لحدوث هدف معين. وحتى لو لم يكن هناك تورط مباشر، فإن وقوع تغيرات سياسية يولد فرصاً كبيرة للتآمر، ولهذا، فإن أخطر ما يحيط بالمنطقة هو استغلال التحركات الشعبية للوصول إلى الأهداف الغربية، وهو ما حدث في الثورة العربية الكبرى، فهل تستغل الثورات العربية التي تجري في الوقت الحالي لإضعاف المبادئ، والقيم، والممارسات الإسلامية، وتفتيت الأوطان العربية إلى دويلات صغيرة تتحكم فيها دول الشرق والغرب؟