Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

ثورات العرب.. أذهلت العالم وهددت مستقبل أمريكا

 
بحث مخصص

 

 

 

جمال الملاح

محيط ـ خاص

الاثنين 28 فبراير 2011

 

 
تشعر الولايات المتحدة الأميركية تجاه الثورات العربية ضد حكامها، بنوع من التوجس والخوف على مستقبل نفوذها ومصالحها في المنطقة، خاصة وأن منبع هذه الثورات كان عربياً خالصاً، خرج من تراب الوطن العربي، ضد قمع واستبداد وفساد حكامه، ودون أي سيناريوهات أو أجندات خارجية مُسبقة.

فتوقيت وطريقة حدوث تلك الثورات، مثلتا مفاجأة كبيرة للعالم أجمع، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تعتبر المنطقة العربية مسرحاً مفتوحاً تسيطر فيه علي جميع أبطال وكومبارس الأعمال التي تعرض عليه، أو تخرج منه ـ وهذا صحيح إلى حد بعيد ـ، بل وكان لديها القدرة على التحكم، في إدخال أو إخراج من تراه مفيداً لسياستها ومصالحها بالتوقيت والكيفية التي تُريدها، وبسميات وسيناريوهات مختلفة، تارة باسم مكافحة التطرف والإرهاب وتارة أخري باسم الفوضى الخلاقة.  


إلا أن ذلك تغير تماما بعد التطورات الأخيرة التي خلقتها الشعوب العربية، فالثورات العربية خلقت إرادة وقوة موازية لأي نفوذ أميركي في المنطقة، شاءت أم أبت واشنطن، بل وذهب مراقبون إلي أبعد من ذلك، فقد رأي هؤلاء المراقبون أن الثورات والانتفاضات العربية ضد أنظمتها القمعية الفاسدة، لم تُسقط فقط الديكتاتوريات الحاكمة، بل أسقطت معها "الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط"، بحسب وصف صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية، التي رأت أن واشنطن ترددت كثيراً في اتخاذ مواقف واضحة عندما بدأت الأزمات في الشرق الأوسط، ومن ثم بدأ تحاول أن تصورها على أنها تحركات ستتفق في النهاية مع المفاهيم الأمريكية للديمقراطية، وظهر ذلك بوضوح من خلال التصور الشعبي الأمريكي بأن ما يجري يشبه سقوط الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية.

 

وأمام تلك المعضلة الجديدة وفي محاولة منها لتحسين صورتها التي تشوهت كثيراً بمساعدتها أنظمة قمعية ضد رغبة شعوبها لعقود من الزمان بدأت إدارة أوباما بمراجعة المساعدات والمبيعات العسكرية المزمعة للأقطار التي تشهد موجة من الاحتجاجات الشعبية.


ويشير ذلك ـ بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكيةـ، إلى تنامي حالة عدم اليقين التي تنتاب الإدارة الأمريكية بشأن القلاقل والثورات الشعبية التي تجتاح الشرق الأوسط مما قد يؤدي إلى إدخال تغييرات على السياسة الخارجية الأمريكية بالمنطقة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي كبير قوله: "إننا نراجع كافة المساعدات (العسكرية) في ضوء ما يحدث حاليا في المنطقة".


فقد أجبرت تلك الثورات والاضطرابات الولايات المتحدة على التفكير جدياً في تخفيض أنواع محددة من المساعدات العسكرية للوحدات التي تورطت في استهداف مدنيين، وإلى تأجيل الصفقات التي تقدر بمليارات الدولارات لعدد من الدول الخليجية والتي تعتبر أكبر موردي السلاح الأمريكي في العالم.


 
وكانت إدارة أوباما ـ قبل اندلاع هذه الاحتجاجات الشعبية ـ، قد دفعت بشكل مكثف في اتجاه زيادة مبيعات الأسلحة الأميركية المتقدمة لحلفائها العرب في منطقة الخليج، وذلك كجزء من الحلمة الأميركية لعزل إيران ودعم حلفاء واشنطن من الدول العربية لتولي مستقبلا بعضا من المسئوليات الأمنية للولايات المتحدة في المنطقة، في إطار منظومة الشرق الأوسط الكبير.


وقال منتقدو صفقات التسلح الأميركية لدول المنطقة آنذاك إن "واشنطن قصيرة النظر في صفقاتها تلك إلى حكام شموليين قد يفقدون السلطة، مثلما حدث مع نظام شاه إيران الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة وسقط إثر ثورة إسلامية عام 1979، بينما لا تزال السلطات الإيرانية حتى الآن تستخدم بعض الطائرات التي قدمتها الولايات المتحدة لنظامه قبل سقوطه".


خطة مارشال للعالم العربي


لم يكن غريباً أن تتخذ أوروبا نفس الخطوات التي أقبلت عليها الولايات المتحدة الأميركية، فالمصالح والمطامع تقريباً واحدة، والنهج السياسي الخارجي للقوتين متطابق إلى حد بعيد، وإن كانت أوروبا أقل نفوذا من واشنطن في المنطقة.

وبدأت الدول الأوروبية بالفعل في إعادة النظر في سياسة المساعدات التي تقدمها للدول الواقعة على الضفة الجنوبية للمتوسط بعدما كانت تمنح تلك المساعدات دون ربطها بالعملية الديموقراطية. ويحاول الأوروبيون الذين بدوا خلف الولايات المتحدة منذ بدء موجة الاحتجاج في العالم العربي، تعزيز موقفهم رغم أنهم مدركون بأن الولايات المتحدة ستواصل لعب الدور الأساسي في المنطقة.


وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني شدد  على ضرورة أن تتحرك أوروبا "بسرعة"، مقترحا "خطة مارشال" فعلية للعالم العربي. وحذر من انه في الحالة المعاكسة فان ذلك "سيؤدي إلى المزيد من الهجرة غير المشروعة والإرهاب والتطرف الإسلامي". ويفكر الاتحاد الأوروبي بشكل اشمل في أن يربط المساعدات بشروط أقسى باحترام دولة القانون واعتماد "مبدأ التفريق" بين أوضاع مختلف الدول.  وتقترح وثيقة نشرتها برلين ربط المساعدة الأوروبية بشكل اكبر "بتقييم التقدم" على صعيد الديموقراطية وحقوق الإنسان و"في الحالة المعاكسة المعاقبة على التراجع" في هذا المجال.


الخطوات الأميركية والأوروبية الأخيرة في المنطقة تؤكد أن هناك مسئولين غربيين وعوا الدرس جيدا،  وان هناك محاولة لتصحيح مسار السياسة الخارجية للقوتين في المنطقة، فسقوط أنظمة عربية حاكمة موالية للغرب يثبت بلا جدال انخفاض نفوذ الدول الغربية وفشل السياسات والاستراتيجيات القديمة التي اتخذتها هذه الدول في المنطقة.

وفي هذا الإطار يشير إبراهيم شرقية, نائب مدير مركز بروكينغز الدوحة والمحلل بمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط إلى أن "القوة الناجمة عن نجاح الاحتجاجات والاضطرابات في تونس ومصر تحفز شعوب الدول العربية الأخرى على إطلاق الانتفاضات الخاصة بهم".

 

وعلى وقع مفاجآت تلك الثورات على الدول الغربية بدأت التساؤلات عن البديل القادم على رأس النظم العربية الجديدة، وبعد مغادرة زين العابدين بن على بلاده وتنحي حسنى مبارك عن الحكم، دخلت كل من تونس ومصر مرحلة انتقال السلطات. وبدأت الغرب يشعر بالقلق، وبات يسأل نفسه من الذي قد يحل محلهما؟ وهل تصعد قوى إسلامية إلى سدة الحكم؟


تحديات تواجه واشنطن


 
يقول بيير تريستام، الخبير الأمريكي في قضايا الشرق الاوسط , انه "ثمة شكوك تختلط مع (مشاعر الفرحة بذهاب بن على ومبارك) إذ أن عددا قليلا للغاية من زعماء المعارضة في تلك الدول يتمتع بمصداقية ولديه القدرة على تولي القيادة". وأضاف ففي تونس مثلا، ما زال لم يتضح من سوف يتمكن من تولي منصب الرئيس حيث لا يوجد اسم يمكن للمتظاهرين في الشوارع الالتفاف حوله، ولا حتى واحد ضعيف". ويرى يسوبيل كوليمان, الزميل المتخصص في شئون السياسة الخارجية الأمريكية بمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك, انه من المرجح أن "السلطات الجديدة ذات العناصر الإسلامية (في حال وصلها للحكم) ستكون أقل تعاونا في قضايا مثل مكافحة الإرهاب وعملية السلام, وهذا ليس أمرا جيدا بالنسبة للدول الغربية".


ومن هنا ـ وبحسب الخبراء ـ تستعد واشنطن لمواجهة التحديات الناتجة عن سقوط السلطات العربية "بتعزيزات مادية وعسكرية ومخابراتية في المنطقة".

 

* وحدة الدراسات المتخصصة ـ مركز البحوث والدراسات