Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تشابك النزعات في الفكر العربي الحديث

 

 

 

Alarab_Logo 

د. عماد الدين الجبوري

جريدة العرب

17/8/2008 

مع العقد الأول للقرن الحادى والعشرين تكون نهضة الفكر العربى الحديث قد دخلت فى قرنها الثالث. وكانت مصر منطلق هذه النهضة، عندما أعلن شيخ الأزهر حسن العطار"1776-1835" قائلاً: أن بلادنا لابد أن تتغير وأن يتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس بها". هذا القول كان نفيراً كى تستفيق أمة العرب من عمق سباتها المزمن بقرونه الخمسة الدامسة، واللحاق بركاب الأمم الأوروبية المتطورة.

إن الخطورة التى وعاها الشيخ العطار تكمن بإدراكه إلى أن التأخر الرئيس للعرب ناتج بسبب رزحهم تحت نير التسلط العثمانى الذى أساء للعروبة وما جاء به الإسلام من مبادئ وقيم ومفاهيم للدين وللدنيا. ولقد ساعد العطار فى تشخيصاته هذه جانيان اثنان هما: 

* أولاً: أن العطار نفسه قد تنقل فى بلدان المشرق العربي، بالإضافة طبعاً إلى تركيا. وبذلك فقد جمع حصيلة واقعية وبشكل شخصى مباشر عن التردى الذى وصلت إليه الأمة العربية.

* ثانياً: أن الحملة الفرنسية الاستعمارية على مصر عام 1798 بقيادة نابليون بونابرت "1769 - 1821"، واحتكاك العطار مع العلماء الفرنسيين الذين تعلموا على يديه اللغة العربية، حيث كان فى النفس الوقت يستثمر ذلك التعليم فى الإطلاع على منهجهم فى التفكير ومدى نجاحهم فى تحقيق تقدمهم العلمي. فأدرك شيخ الأزهر أن الأمة أمام قوة جديدة يجهلون خطورتها من ناحية. ويجهلون الكثير من العلوم الحديثة من ناحية أخرى. 

وفى عهد محمد على "1769 - 1849" الذى أستقل بالحكم من العام 1805، استطاعت مصر أن تنتقل من العالم القديم إلى العالم الحديث. حيث تم تشكيل أول حكومة مدنية عصرية ذات سيادة وطنية. وكان تلميذ العطار الشيخ رفاعة رفعت الطهطاوى "1801-1873" من أبرز الداعين إلى الإصلاح. وكانت نظرته العربية الإسلامية تنبع من قوة ذاتية مفعمة بالثقة والعزيمة. ولذلك عند عودته من أول بعثة دراسية مصرية إلى فرنسا مابين "1826 - 1831" قال علناً: "إن حضارة الإسلام ليست بأقل شأناً من الحضارة الأوروبية". ورغم أن الطهطاوى كان قد رشحه العطار كإمام للبعثة وليس طالباً فيها. علاوة على أن محمد على لم يرغب بأن يتعرف الطلاب المصريون على تفاصيل الحياة الفرنسية أكثر مما ينبغي. إلا أن الطهطاوى استطاع بهمة وحماس أن يلم بعلوم العالم القديم والحديث معاً. بالإضافة إلى تفاصيل الحياة الاجتماعية الفرنسية حتى أنه وضع كتاباً وسمه بعنوان: "تخليص الابريز إلى تلخيص باريز": ولاقى شهرة واسعة. على أية حال، يعتبر الشيخ الطهطاوى أحد أهم الأقطاب الرئيسة فى عملية الإصلاح والتجديد فى بنية التفكير العربي. لاسيما ما يتعلق بالشريعة الدينية التى رآها يجب أن تتغير وتتكيف وفق المعطيات والحاجات الجديدة. حيث لا يوجد هناك أى عائق أو أية معضلة بين مبادئ الشرع الإسلامى ومبادئ القانون الطبيعى التى تعتمد عليه أوروبا الحديثة.

وهكذا بدأت الخطوة الجريئة الأولى نحو فتح باب الاجتهاد، والتى كانت موصودة منذ قرون طويلة. ومثلما كان الشيخ العطار صاحب النداء الأول فى يقظة العقل العربي. فأن تلميذه الطهطاوى كان المقدم الأول فى تفسير الشريعة على ضوء المعطيات الحديثة. وبالتالى مكن العقل العربى من دراسة العلوم الوافدة من أوروبا.

أما دور الشيخ ناصيف اليازجى "1800 - 1871" فقد ظهر بإبراز اللغة العربية، سواء فى شعره، أو دروسه للأسلوب الأدبي. فهو قد أمتلك ناصية اللغة بكل معنى الكلمة، مما جعل تلامذة اليازجى من أدباء وكُتاب يهتمون باللغة على جانب مهم آخر. حيث أن اللغة العربية قادرة على استيعاب كل المفردات العلمية والفكرية الجديدة. بل وتستطيع أن تكون أداة صالحة للتعبير عن الحياة والأفكار أيضاً. ويعتبر فارس الشدياق "1804 - 1887" أحد الذين برزوا فى هذا المضمار وحظى بشهرة ونفوذ كبيرين. وعندما دعاه الخليفة العثمانى إلى اسطنبول، استثمر وقته هناك بإصدار صحيفة "الجوائب" التى استمرت ما بين "1860 - 1883". 

وهى أول صحيفة عربية لها دور مهم سواء فى تناولها للقضايا العالمية وفق شرح وتحليل تفصيلى مسهب أو فى ترجمة الشدياق للوثائق الدبلوماسية الحساسة، وعرضه للمشاكل الاجتماعية ومقارنته بين الشرق والغرب. وظهر كذلك بطرس البستانى "1819 - 1883" بدرجة لا تقل شأناً عن الشدياق. فاللغة العربية عنده هى أيضاً أداة صالحة للتعبير عن المفاهيم الحديثة. ولقد أسس "المدرسة الوطنية" فى عام 1863. حيث يدرس فيها اللغة العربية والعلوم الحديثة بشكل خاص. ويرى البستانى بأن العرب لا يمكن لهم من أن ينهضوا ويتطوروا إن لم يطلعوا على الأفكار والعلوم والاكتشافات والاختراعات الأوروبية الحديثة. ومن أجل المشاركة فى تحقيق هذا الهدف، دأب البستانى على وضع موسوعة كبرى بمعونة مالية من الخديوى إسماعيل "1863 - 1879". ولقد أصدرها هو وعائلته فى عام 1876. وبعد وفاته استمر أولاده بإصدار هذه المجلدات الضخمة التى تشتمل على بحوث ودراسات متنوعة فى العلوم والهندسة والطب والفكر الخ. حتى وصلت إلى أحدى عشر مجلداً ولم تكتمل.

هذا ويعتبر جمال الدينى الأفغانى "1739 - 1897" رائد التجديد والإصلاح الديني. خصوصاً خلال إقامته بمصر ما بين "1871-1879" التى تعتبر من أهم فترت حياته. حيث بث سبل التفهم العصرى للحياة المدنية الحديثة من ناحية. وإلى حقيقة خطورة الأطماع الأوروبية من ناحية أخرى.وهكذا ألتف من حوله مجموعة من الشباب على رأسهم تلميذه ورفيقه الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وآخرين قادوا مصر فيما بعد. وكان الأفغانى يركز فى أقواله: "نحن لسنا بأقل مستوى من الأوروبيين ولنا حضارتنا ولنا قدراتنا، وما علينا إلا التجديد فى المفاهيم التى تخدم وروح العصر الذى نحن فيه".

إن دعوة الأفغانى خلقت قوة جديدة فعالة أكثر مما دعا إليه الشيخان العطار والطهطاوي. إذ بعد سنتين من إبعاد الأفغانى عن مصر، تفجرت فيها ثورة شعبية عارمة فى عام 1882 بقيادة أحمد عرابى "1841 - 1911"، على الخديوى توفيق "1822 - 1892" الذى أباح الاحتلال البريطانى لمصر. والخطورة الجلية فى هذه الثورة هى التأجيج الجماهيرى من خلال "الحزب الوطنى الحر" الذى أسسه الأفغانى نفسه. كان الأفغانى يدحض الفكرة القائلة: "أن الدول الأوروبية بالفطرة هى أقوى من الدول الإسلامية". 

وكانت انتصارات محمد المهدى "1843 - 1885" فى السودان على الجيش البريطاني، دلائل يشد بها الأفغانى عزائم الناس على حقيقة ما ينادى إليه. أما إذا كانت الانتصارات قليلة والهزائم كبيرة. فهذا حسب تصوره إنما يعود إلى انقسام المسلمين على أنفسهم وجهلهم للعلوم وللفضائل العامة. ومن هنا كان الأفغانى كثير التركيز على قضية الوحدة التى يراها ممكنة التحقيق فيما إذا تجاوز المسلمون خلافاتهم المذهبية والطائفية من جهة. وإلى تجاوز الانقسامات السياسية بين حكام المسلمين من جهة أخرى. أما الإسلام فأنه يشجع الناس ويحثهم على التأمل والتفكير واستعمال قواهم العقلية. أنه إيمان بالعقل وبالعلم وليس فقط بين عبادة وطقوس وشعائر يجب أن تمارس. أن روح التجديد الذى نذر لها الأفغانى جل حياته، كان صداها عظيم الأبعاد وعلى الساحتين العربية والإسلامية.

فقد تأثر به الكاتب والصحفى أديب أسحق "1856 - 1885"، والأديب العالِم اللبنانى حسن الجسر "1845 - 1909"، والزعيم العراقى سليمان الكيلانى والشيخ محمد رشيد رضا "1865 - 1935" الذى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه. ومنهم من كان منتمياً إلى التنظيم السرى الذى قاده الأفغانى أمثال: سعد زغلول "1857 - 1927" الذى قاد الثورة الشعبية فى مصر عام 1919. وكذلك الأمير عبد القادر الجزائرى "1808 - 1883" بطل المقاومة الشعبية فى الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وأحد كبار صفوف الوعى القومى الإسلامى السائرين فى ركاب الأفغاني. هذا ويعتبر الإمام محمد عبده "1849-1905" من أهم المتحمسين لنشر أفكار وأراء الأفغاني. رغم أن فكر عبده كان قومى النزعة، يهدف إلى قلع مخالب الأتراك الشركس من الحياة السياسية والاجتماعية. ولهذا فقد لعب دوراً هاماً أثناء الثورة العرابية، سواء فى مقالاته التى كتبها فى جريدة "الأهرام" أو فى تنظيم صفوف المقاومة الشعبية.

عموماً بعد أن تم تعين الإمام عبده فى عام 1899 مفتياً للديار المصرية. فأنه قام بإصلاح المحاكم الشرعية وإدارة الأوقاف وتقديم الفتاوى فى شؤون الحياة العامة للناس من خلال تفسير الشريعة بما يتفق مع مقتضيات ومتطلبات وحاجات العصر. وبقى على هذا المنوال حتى وافته المنية. وإذا كان تفكير عبده امتداداً إلى الأفغاني، فأن قضية التوفيق بين الإسلام والفكر الحديث قد ركز عليها عبده بشكل أكثر. فالإسلام "دين الوسط" يتقبل حاجات العقل البشرى وما يتوصل إليه من اكتشافات واختراعات من جانب. ويحافظ على فكرة الله الخالق المستحق للعبادة من جانب آخر. وبما أن الإسلام "دين الفطرة" وأن قضايا العالم الحديث سوف تزج الأوروبيين إلى مشاكل بسبب مدنيتهم المادية. إذن فلا مخرج لهم مستقبلاً إلا بالإسلام. ولهذا أوجب التوفيق فيما بينهما، مدنية أوروبا ودين الإسلام. وعلى هذا المبدأ دخل الإمام عبده فى نقاشات ومجادلات مع رموز كثيرة حول كيفية تحقيق هذا الموضوع. منها مع الفيلسوف الفرنسى أرنست رينان "1823 - 1892"، ومع تلميذ رينان الأديب اللبنانى فرح أنطون "1874 - 1922". 

أما عبد الرحمن الكواكبى "1854 - 1902" فقد كان من الداعين إلى وحدة إسلامية عبر قيادة عربية. ولقد جند نفسه لبث هذه الفكرة. ورغم أن الشاعر والمفكر الباكستانى محمد إقبال "1876 - 1938" كان أيضاً من الداعين لمثل هذا الرأي. إلا أن أصل الفكرة تعود إلى الشيخ محمد أبن عبد الوهاب "1769 - 1849". ذلك أن حركته الوهابية فى الجزيرة العربية هى التى خلعت الخلافة ولأول مرة من العثمانيين وأرجعتها للعرب. كيفما كان الأمر، فأن الصحوة العربية قد حققت إنجازاً كبيراً عندما أخرجت الأمة العربية من فترتها المظلمة إلى ضياء العالم الحديث. ومع ذلك فقد بقى فيها تياراً رتيباً لا يواكب تماماً روح ومقتضيات العصر، لكونه ملتزماً أكثر مما يجب بالقضايا التاريخية القديمة. وبالتالى يقلل من الفهم الواجب أخذه وإتباعه تجاه الحاضر والمستقبل. ولهذا نجد أحمد أمين "1886 - 1954" يقول: "أن الأمم الحية لا ترضى أن يكون لها فى نصف قرنها الحالى معجم أُلف فى نصف قرنها الماضي". وطالب أمين بأن نتخذ من الماضى "دعامة جديدة" نهدف منها التطور والتجديد.

نعم لنقدم المفاهيم والأفكار الجديدة بغية الإبداع والتطوير. ولكن دون أن نسير طرف على حساب طرف آخر. سواء أكان من الناحية التاريخية أو الحاضرية. كما وأن هذه القاعدة ستكون الأساس الطبيعى الذى يشيد عليه الجيل القادم معطيات وحاجات زمنه الذى يكون فيه. هذا جانب والآخر، يتعلق بنزعة الغرب الذى لم ينقطع فى السيطرة على مقدرات أمتنا العربية. حيث يعمل جاهداً فى إعاقة أى تقدم يجعل الأمة تستعيد شيئاً من دورها الريادى الإنساني. فمصر التى كانت تقود الأمة فى الستينات تم تقييدها فى السبعينات ثم بالتدريج أصبح دورها القومى هامشى لا فعالية فيه ولا تأثير. وعندما صار العراق قوة عسكرية واقتصادية فى السبعينات والثمانينات، انتهى به الأمر إلى حصار أممى جائر منذ العام 1990 ولم يُرفع عنه إلا بعد احتلال أمريكا له فى عام 2003، والدمار مستمر فيه حتى يومنا هذا. ناهيك عن عائدات النفط الخليجية الهائلة التى يستعيدها الغرب منها بمختلف الوسائل والطرق. قبل أربعة عقود كتب أنور عبد الملك فى مقدمة ترجمته لكتاب جون لويس"مدخل إلى الفلسفة" قائلاً: "والحق أننا مازلنا تحت وطأة الاستعمار الثقافى والرجعية الفكرية رغم وثبتنا التحررية الكبرى". 

والحق أيضاً أن بقايا الاستعمار الثقافى مازالت موجودة وذلك بزرع الأفكار الغربية والأدبيات الإسرائيلية عبر وسائل الإعلام والفضائيات المدسوسة. وأن الرجعية الفكرية يقودها اليوم الحركات السلفية والطائفية التى زادت فى معانات والآم الأمة. على أية حال، لقد أحتوى الفكر العربى المعاصر على بعض التيارات التى تأثرت بالأفكار والنظريات الدخيلة على العقل العربي. ورغم أن الفكر سجال أخذ وعطاء، لكن ليس على حساب الهوية أو يتناقض مع العقيدة الدينية. ولهذا نجد أن الماركسية والوجودية والذرائعية وغيرها لم تأخذ تلك المساحة الواسعة كما فى بعض البلدان، وإنما قد اقتصرت على فئات محدودة.

هذا وأن المناخ السياسى أو المحيط الاجتماعى أو العامل النفسى له تأثيره على عقلية وأسلوب الفرد. فإذا كان الطهطاوى ينهل من العلوم فى باريس دونما أن يخلع عمامته، بل كان بكل ثقة يجابه حضارة أوروبا الحديثة. فأن ذلك يعكس الوضع السياسى والاجتماعى الذى جاء منه من جهة. ولأن أوروبا لم تظهر بعد أطماعها الاستعمارية على أوطان العرب من جهة أخرى. بينما نجد أن محمد عبده عانى مرارة الفشل والانكسار ضد الاحتلال البريطانى لمصر. ثم ذاق طعم السجن ولوعة النفي، وانتهى مفتياً يدعو للمصالحة والتوفيق مع الأعداء. وإذا كانت فترته التى قضاها فى باريس لم يخلع فيها عمامته. فأن طه حسين "1889 - 1973" الذى دخل القاهرة فى عام 1902 ليجد أن البريطانيين هم المسيطرون على زمام الأمور فى البلاد، وأن الإمام عبده قد أثقله الجهاد الوطنى دونما أن يفلح بالغلبة النهائية، لذا حالما نال بعثة إلى فرنسا أسرع بخلع العمامة مفضلاً البذلة العصرية.

دون شك أن المناخ السياسى والاجتماعى وتلك الدروس التوفيقية التى كان يلقيها عبده فى رواقه العباسى قد أثرت وبقوة على عقلية طه حسين. فذهب الأخير فى توفيقيته إلى أبعد من أستاذه الإمام. حيث انتمى إلى "حزب الأمة" وتأثر بمفكره لطفى السيد الذى طالب بفصل مصر عن العروبة والإسلام لكونها فرعونية الأصل والتفكير. ولقد كرر طه حسين ذلك قائلاً: "وأؤكد أنه لو وقف الدين الإسلامى حاجزاً بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه". مِمَ دفع توفيق الفكيكى وعلى جناح السرعة أن يرسل له برقية من بغداد يقول فيها: "أن شعاركم الفرعونى سيكسبكم الشنار وستبقى أرض الكنانة وطن الإسلام والعروبة". 

أن الفكر العربى المعاصر وما يمر به من تيارات فكرية متنوعة السلبية منها والإيجابية هى على الجملة تساهم فى بلورة كيان الفكر العربى بشكل عام. ويمكننا أن نقسمها إلى خمسة هي:

*أولاً: المنادون بالإبداع والتجديد من أحمد أمين ومصطفى جواد إلى الذين قدموا ما هو مهم فى رفع العقل العربى فكرياً وعلمياً وفلسفياً أمثال خليل ياسين ومحمد الجابرى وغيرهم.
*ثانياً: ذوى النهج التقليدى فى البحوث والدراسات للفكر الدينى أو الفلسفى أو الأدبي.
*ثالثاً: المتأثرون بالنهج والفكر الغربى سواء بالاقتباس منه أو التبعية له.
*رابعاً: الملتزمون بالنهج السلفي، أو ما يعرف اليوم بالإسلام السياسي. سواء المتشددون منهم كتنظيم القاعدة ، أو المعتدلون كإخوان المسلمين. 
*خامساً: المقاومون للاحتلال الأجنبي. وخصوصاً الاحتلال الأمريكى والصفوى الإيرانى فى العراق. وكذلك الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين.

أن الفكر العربى اليوم تزداد عليه خنق حريته فى التعبير والكتابة وإبداء الرأي. وإذا كانت هذه المشكلة يمكن علاجها بشيء من الحكمة السياسية والتفهم لمستجدات الواقع الحياتي. فأن هناك صراعات فكرية لا تقل خطورة عما كان عليه الفكر العربى فى عصر النهضة الممتد ما بين "1798-1939". ولا نبالغ أن قلنا بأنها أشد خطورة وأفتك شراسة على العقل العربى فكراً وثقافةً. وهذه الأخطار هي:

*أولاً: الصراع العربي– الإسرائيلي. إذ بعد فشل التطبيع الذى أيده وعمل على نشره بعض الأدباء والكُتاب أمثال: أنيس منصور وزكى نجيب محفوظ ورهط ليس بالقليل. فأن إسرائيل وربيبتها أمريكا تمكنت عبر العديد من وسائل الإعلام لاسيما من خلال القنوات الفضائية العربية حيث تبث البرامج التى تشجع على الكسل العقلى والخمول الفكري. تلك البرامج التى تلهى الشباب بكل ما هو يفسد العقل والأخلاق.

*ثانياً العولمة. بعد انهيار الإتحاد السوفييتى وتفكك المنظومة الاشتراكية من شرقى أوروبا. أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد منذ العام 1992. ومنذ ذلك الوقت وهى تعمل بالمحافل الدولية إلى فرض مصالحها بجعل التجارة ورأس مال الشركات العالمية "التى تسيطر أمريكا على أكثر من 70% من رأسمالها" أن تكون هى المعيار بين علاقات الدول، وليس الثقافة والعادات والتقاليد. أى أن العامل الاقتصادى فوق كل شيء وقبل أى شيء. وعلى هذا الأساس تآكل القرن العشرين قبل نهايته، وبآن شكل القرن الحادى والعشرين قبل أوانه. والفكر العربى المعاصر مازال بين المد والجزر حيال هذا المنعطف التاريخي.

* ثالثاً: الاحتلال الأمريكى للعراق. وصلت الغطرسة الأمريكية حدها عندما احتلت العراق لكى تسيطر على منابع نفطه. ولقد سمحت لحلفائهم من مُلالى طهران بالامتداد داخل العراق ليصبح احتلالاً ثانياً واقعاً. 

أن الفكر العربى اليوم سواء على الصعيد الوطنى أو القومى أو الإسلامي، فأنه أمام محنة خطيرة وتاريخية. ولا خيار له إلا المجابهة والتحدى لتحقيق وجوده الواقعى وهويته الذاتية وثقافته الحضارية وشريعته الدينية. ولقد علمتنا دروس التاريخ بأن النصر حليف المؤمنين بعدالة قضاياهم. وأن الله رقيب حسيب. 

* كاتب وأكاديمى عراقى مقيم فى لندن