Arabic symbol

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

"منهج التجديد الديني عند عبد القاهر الجرجاني"، سمير أبو زيد، مجلة كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، العدد 36، 2005، صـ 161-212. 

ملخص البحث

"تجديد الفكر الديني" هو قضية جوهرها هو التجديد في أسلوب استخدام العقل من حيث علاقته بالقضايا الدينية. وذلك على مستويين، الأول هو مستوى التطبيق العملي في القضايا المختلفة. والثاني هو مستوى التصورات النظرية، كمثل علاقة العقل بالنقل، أو الحكمة والشريعة..الخ.

والتصورات النظرية للتجديد يمكن استخلاصها من التطبيقات العملية السابقة في قضايا التجديد المختلفة. وذلك كمثل استخلاص العلاقة الصحيحة بين العقل والنقل من التطبيقات الواقعية لعلوم الحديث أو من الأحكام الفقهية المستجدة الناتجة عن تغير ظروف الواقع..الخ.

   وتمثل معالجة الشيخ عبد القاهر الجرجاني لقضية الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

أحد تلك التطبيقات الواقعية للتجديد الديني والتي يمكن من خلالها استخلاص منهج التجديد الديني. وذلك لأن هذه القضية لها جانبان، جانب ديني هو "الإعجاز" وجانب عقلي هو "اللغة". وقد قام الشيخ الإمام بتصنيف مؤلفين اثنين في نفس الموضوع، وهما "دلائل الإعجاز" و"الرسالة الشافية في الإعجاز". وقد درج المختصون على الفصل بين المؤلفين، على اعتبار أن المؤلف الأول موضوعه هو "النظم" ويختص بعلوم اللغة، والثاني موضوعه هو الإعجاز ويختص بعلم أصول الدين.

    ولأن تقسيم الموضوع الواحد إلى مؤلفين منفصلين ليس أمرا تقليديا في التراث العربي فإن فهم أسباب هذا التقسيم يعد أمرا ضروريا لفهم فكر الشيخ عبد القاهر. وهو الأمر الذي يتطلب التحليل الدقيق للقضايا الأساسية المطروحة في كل من هذين المؤلفين وفهم العلاقة بينهما. والتحليل الدقيق يبين أن الشيخ عبد القاهر قد قام بإنشاء بنية للقضية المطروحة وهي "الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم". وتتمثل تلك البنية في تحليل القضية الأساسية إلى قضيتين جزئيتين وإلى علاقة بينهما تمثل حلا إبداعيا جديدا للقضية. والهدف الأساسي من هذه البنية هو المحافظة على الجانب الديني للقضية وهو "الإعجاز"، وفي نفس الوقت المحافظة على الجانب العقلي للقضية، وهو اللغة.

ولأن الحلول التي كانت مطروحة حتى عصر الشيخ عبد القاهر كانت إما منحازة إلى الجانب الديني. فتطرح فكرة الإعجاز تأسيسا على الإيمان الديني. وبذلك تتجاهل السؤال عن الكيفية التي يمكن أن يكون بها للغة نظاما عقليا إنسانيا وتكون في نفس الوقت محلا للإعجاز الإلهي. أو منحازة إلى العقل، فتطرح فكرة "الصرفة" على أساس أن للغة نظاما عقليا لا يمكن أن يكون محلا للإعجاز مع الاحتفاظ بنظامها العقلي في نفس الوقت. ولأن تصور الشيخ عبد القاهر لتلك القضية، والمعتمد على تكوين بنية للموضوع، يعد تصورا جديدا لتلك القضية سواء من حيث أسلوب التطبيق أو من حيث بنية التفكير ذاته، فإن هذا التصور يعد تجديدا في الفكر الديني الإسلامي.

ولأن منهج الشيخ عبد القاهر يتسم ببنية معينة تعتمد على إنشاء العلاقة الصحيحة بين الجانب الديني في القضية وبين الجانب العقلي لها. وذلك بحيث لا يطغى الجانب الديني على الجانب العقلي، ولا يتعدى الجانب العقلي حدوده الدينية. لذلك فإن استخلاص التصور النظري الصحيح لهذا المنهج يمكن أن يساهم بفعالية في التعامل مع مشكلاتنا الحالية والتي تنطوي على مشكلات عديدة تخص العلاقة بين الدين والعقل.

ولذلك نقوم في هذا البحث بتحليل العملين المذكورين والكشف عن بنية القضية عند الشيخ عبد القاهر الجرجاني وبيان أسباب تقسيم القضية إلى موضوعين مستقلين وطبيعة العلاقة الإبداعية التي أقامها بينهما. وعلى أساس هذا التحليل نقوم باستخلاص هذه البنية في صورتها النظرية باعتبارها هي ذاتها منهج التجديد عند الشيخ عبد القاهر. ثم نقوم ببيان الكيفية التي يمكن بها تطبيق تلك البنية على قضايانا المعاصرة متخذين من قضية العلاقة بين الدين والسياسة مثالا على هذا التطبيق.