- الربط بين الفلسفة والعمل
- إنسانية الإنسان بين العقلانية
والأخلاق
- الربط بين الأخلاق والدين
مالك التريكي:
بينما شاع بين المختصين والجمهور على حد سواء التصور بأن الفلسفة معرفة
كلية وتجريدية وبرهانية لا يفتئ المفكر طه عبد الرحمن ليؤكد أن لا وجود
لفلسفة برهانية وذلك على حد تعبيره رغم أنف مجموعة الفلاسفة من أمثال
أرسطو وأبن رشد وديكارد واسبينوزا ولاينتس لهذا ينادي طه عبد الرحمن
بضرورة إعادة النظر في هذا التصور التقليدي للفلسفة وقيام تصور جديد
قائم على مبدأ التعدد والاختلاف ومن هنا قوله بالحق الإسلامي في
الاختلاف الفكري والحق العربي في الاختلاف الفلسفي، إلا أن أخطر ما في
التصور التقليدي في نظره هو الاعتقاد بأن الفلسفة نظر مجرد أو مجرد
نظر، أي معرفة لا تستوجب أي عمل ولا يقتصر هذا الاعتقاد على الحضارة
الغربية التي تعيش في رأيه أزمة الصدق الناتجة عن فصل العلم عن الأخلاق
وأزمة القصد الناتجة من فصل العقل عن الغيب، بل إن هذا الاعتقاد قد كان
له أيضا أثر وخيم على الحضارة الإسلامية، حيث أن الاشتغال بالفلسفة ظل
مبعث الشبهات ليس بسبب مخالفة بعض أهلها لضوابط المجال التداولي
الإسلامي أي القواعد العامة التي تضبط العقيدة واللغة والمعرفة، ليس
بسبب ذلك فحسب بل وبسبب خوضهم في أمور معرفية لا يصدقها عمل وليس من
ورائها منفعة وعلى هذا فإن هذا المفكر المسلم المتجمل بالخلق الكريم
يشترط في الفلسفة أن تكون علما ينفع، أي أن تكون معرفة من أجل العمل
وحكمة هادية إلى مكارم الأخلاق.
الربط بين الفلسفة
والعمل
طه عبد الرحمن
- أستاذ المنطق وفلسفة اللغة في جامعة محمد الخامس: بدون شك هيمنت
على.. هيمن على الفلسفة تصور، هذا التصور هو أن الفلسفة نظر استدلالي
بحيث لا نحتاج إلا إلى استخدام العقل النظري للوصول إلى الحقائق، سواء
كانت حقائق متعلقة بالكونيات أو بالغيبيات أو بالسلوكيات، لكن لو نظرنا
إلى هذا التصور لوجدناه يخل بمقتضى منطقي، هذا المقتضى هو أن النظر
المجرد لا يمكن أن يحكم على السلوكيات لأنه يحتاج أن يتحقق بخصائص
السلوكيات لكي يتمكن من الحكم عليها، بمعنى آخر لابد للفلسفة أو للنظر
الفلسفي أن يكون مصحوب بالعمل، أن يكون لا ينفك عن التأطر والانفعال
بالعمل حتى يفتح فيه العمل أفاق جديدة لم تكن فيه لما كان نظرا مستقلا
عن العمل لأن العمل يؤطر في النظر بحيث أن النظر يكتسب آفاق جديدة
وتنفتح فيه أبواب جديدة وتظهر فيه مسالك استدلالية بحيث العمل ينشئ
استدلالا جديدا في النظر واستدلالات أقول استدلالات واستشكالات للقضايا
في النظر، بمعنى آخر أن النظر لما يكون أخ العمل بحيث لا ينفك أحدهما
عن الآخر فهناك عند ذاك يصبح الفيلسوف له الحق أن يحكم في السلوكيات
على السلوكيات وأن يحكم على الغيبيات، أما ما سوى ذلك يمكن أن يكتفي
بالنظر المجرد كالكونيات بصفة عامة ولذلك لا نستغرب أن العالم الإسلامي
لما تلقى الفلسفة أسماها الحكمة، لأن الحكمة مشروطة بالعمل شرطا كاملا
بل تعد مرتبة ليست فقط مرتبة يتأطر فيها النظر بالعمل بل يصبح العمل هو
الذي يوجه النظر وليس العكس.
مالك التريكي:
ولهذا كانت أحد تعريفات الفلسفة قديما عند العرب هو أنها كمال العلم
لكمال العمل.
طه عبد الرحمن:
بالضبط استجابة لمقتضى الحكمة كما هو مفهوم راسخ في التراث الإسلامي
وفي المصادر الأولى لهذا التراث.
مالك التريكي:
إذاً عندما نقول أن الفلسفة الحق هي التي يرتبط فيها النظر بالعمل يعني
التي يرتبط فيها النظر بالأخلاق؟
" بعض
المدارس اليونانية كان تصورها للفلسفة تصورا
عمليا، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى استحضار هذا التصور العملي
للفلسفة لأسباب موضوعية موجودة في واقعنا،
فلا يمكن أن ننشئ
فلسفة بالنظر
المجرد " |
طه عبد
الرحمن: هذا هو عين الصواب باعتبار أن العمل ليس إلا جملة سلوكات وهذه
السلوكات لا يمكن إلا أن تكون موصوفة إما بالخير أو الشر أو الحسن أو
القبح وحين ذاك تعتبر داخلة في باب الأخلاق، فإذاً كل سلوك يخضع أو
يكون محط الحكم عليه بالخير أو الشر أو بالصلاح والفساد فيعد خلقا من
الأخلاق، فإذاً بمعنى آخر أن الأفكار لابد أن تكون مصحوبة للأخلاق حتى
تحقق الفلسفة كما عاشها التراث الإسلامي وبل أقول هذا حتى.. يعني بعض
المدارس اليونانية كالرواقيين كان تصورهم للفلسفة تصوراً عملياً ونحن
اليوم أحوج ما نكون إلى استحضار هذا التصور العملي للفلسفة لأسباب
موضوعية موجودة في واقعنا، فلا يمكن أن ننشئ فلسفة بالنظر المجرد
والواقع أمامنا يتحدانا بإشكاليات وبعوائق كبيرة جداً ملموسة واقعية
ونحتاج تجاوزها ولا يمكن تجاوزها بالفكر المجرد بل لابد من فكر قد
انطبع وتشكل بالعمل تشكلاً كاملاً، فإذاً الأخلاق على هذا الأساس ينبغي
مراجعة المسلمات التي كانت منبنية عليها، ليه؟ لأن التصور الذي كان
للأخلاق أنه.. التصور الذي كان للفلسفة هو تصور نظري والأخلاق كانت
تعتبر أيضاً مبحثاً نظريا، فإذاً إذا اعتبرنا أن الفلسفة من مقتضاها
المنطقي أن تجمع بين النظر والعمل أصبح لزاماً أن نراجع مسلماتها التي
انبنت عليها الأخلاق، من هذه المسلمات أن مثلاً الأخلاق هي صفات كمالية
يعني لا يضر فَقْدها الإنسان بل يمكن أن يستغنى عنها، أحياناً ليست
ضرورية بل هي بمنزلة ترف يعني قد لا ننضر بعدم حصوله ولكن الواقع ليس
كذلك، الأخلاق هي صفات ضرورية جوهرية يختل بفقدها ليس فقط نظام السلوك
بل نظام الحياة، لو تصورنا أن مجتمعاً ليس فيه التمسك بالأخلاق والتمسك
بالقيم التي تساند هذه الأخلاق فنعتبره مجتمعاً غير.. لا أقول فاسد بل
مجتمع غير حي ميت، مجتمع ميت لا حياة بغير أخلاق بهذا المعنى، هذه
مسلمة من المسلمات هناك مسلمة ثانية ينبغي مراجعتها هي تصور الأخلاق
أنها صفات محدودة تشكل فقط جزءً من السلوك الإنساني، يعني بمعنى آخر أن
هناك أفعال نَصِفُها بالأخلاق وهناك أفعال أخرى لا نَصِفُها بهذا
الوصف، هذا أيضاً غير مسلّم ومعترض عليه، الأخلاق هي تشمل جميع أفعال
الإنسان ابتداءً من الفعل النظري، الفعل النظري فعل خلقي من حيث أنه
يقتضي بموجب كوننا بشر، يقتضي أن نحكم.. أن ننظر في المصلحة التي يأتي
بها يجلبها إلينا أو في المفسدة التي يدفعها عنا وبالتالي فإنه يكون
فعلاً خلقياً بهذا الاعتبار المصلحي والدافع الجالب للمصلحة أو الدافع
للمفسدة فإذاً هذه أيضاً من المسلمات وهناك مسلمات كثيرة تحتاج إلى
مراجعتها حتى يصبح مفهوم الأخلاق مفهوماً لا ينفك عن مفهوم النظر وتصبح
الفلسفة جامعة للأمرين من هذه الناحية.
[فاصل
إعلاني]
إنسانية الإنسان بين
العقلانية والأخلاق
مالك التريكي:
كثير من هذه المسلمات نقدتها ضمناً في أحد أشهر كتبك وهو كتاب سؤال
الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المسلمة الشهيرة
هي أن ما يحدد إنسانية الإنسان هو العقلانية، هذه المسلمة منتشرة ليس
في الغرب فقط ربما تعم كل الثقافات الآن أنت تنقد هذه المسلمة على أساس
مصادرة كبرى ينبني عليها هذا الكتاب وقد توجت النظر في هذا المبحث في
آخر كتبك أحدث كتبك وهو كتاب روح الحداثة، بالنسبة إليك ما يحدد
إنسانية الإنسان هو الأخلاق وليس العقلانية.
طه عبد الرحمن:
أولا طبعا أدلة كثيرا عن هذا وسقت بعضها في كتبي؛ فأولا ما دامت جميع
أفعال الإنسان بما فيها أفعال العقل أفعال خلقية فيلزم أن يكون العقل
جزءً من الأخلاق، بمعنى يصبح العقل تابع للأخلاق وبالتالي..
مالك التريكي
[مقاطعاً]: يعني قابلية للتوضيح دكتور، قابلية الأفعال النظرية الفكرية
للتقويم الخلقي هي ما يجعل العقل..
طه عبد الرحمن
[مقاطعاً]: تابعا..
مالك التريكي
[متابعاً]: نتيجة منطقية تابعا لمجال الأخلاق..
طه عبد الرحمن:
تابعا لمجال الأخلاق، بل أكثر من هذا التصرفات التي تعد لا أخلاقية لا
توصف بأنها تصرفات لا عقلانية، توصف بأنها تصرفات لا إنسانية حينما
نقول تصرف لا أخلاقي يعتبر تصرف لا إنساني، في حين حينما نقول تصرف لا
عقلاني لا يلزم عنه أنه تصرف لا إنساني، قد نقول هذا الإنسان هذا إنسان
تصرف لا عقلانيا ولكن لا يمكن أن نقول هذا إنسان وتصرف لا أخلاقيا،
يعني اللاأخلاقية يلزم عنها اللاإنسانية بهذا المعنى، بل أكثر من هذا
كلما زاد الإنسان أخلاقية اعتبرناه زيادة في إنسانيته ولكن لا نقول
كلما زاد في التقدم العقلي زاد إنسانيته، لأن هذا التقدم العقلي قد يضر
بالإنسانية، بحيث إنه الحكم الذي يصح هو أن نقول بقدر ما يزداد الإنسان
أخلاقية يزداد إنسانية ولا نقول بقدر ما يزداد الإنسان عقلانية يزداد
أخلاقية باعتبار أن العقلانية قد تضر الإنسانية وقد ترفع هذه الإنسانية
متى أصبحت مدمرة للإنسان..
الربط بين الأخلاق
والدين
مالك التريكي:
تبني على هذه مسلمة، مسلمة أخرى تناقض فيها كثير من التراث الفلسفي وهي
الربط بين الأخلاق والدين، تقول أنه لا أخلاق بدون دين، نحن نعرف أن
عادة على الأقل منذ عمانويل كانط الاعتقاد هو أن للأخلاق..
طه عبد الرحمن:
آه جيد أولا أشكرك على إنكم ذكرتم كانط في هذا الموضوع فكانط هو حقيقة
علمن الأخلاق، ما معناه؟ فصلها عن الدين وأدخل عليها التعقيل، فصلها عن
الدين وأدخل عليها التحليل العقلي والتنظير العقلي، هذا لا يمنع أن
الأصل فيها أصل ديني وأعطيك.. نمارس اليوم باستمرار في مجالنا وفي
حياتنا اليوم علمنة الأخلاق، أعطيك أمثلة حية؛ مفهوم التضامن مفهوم
أخلاقي ديني ولكنه الأصل فيه هو الإحسان عند المسيحيين والتراحم عند
المسلمين، فمبدأ التراحم أ��خلت عليه الصفة العقلية، يعني ألبس اللباس
العقلي ليصبح هو التضامن، نأخذ مفهوم آخر مفهوم المواطنة أيضا هذا
المفهوم هو علمنة لمفهوم الأخوة، لمفهوم الأخوة الذي هو مفهوم ديني،
فالمواطنة عبارة عن علمنة هذا المفهوم، فأعيد يعني أقول إن كانط هو في
الحقيقة فصل الأخلاق عن الدين وهي موصلة أصلا وفصلا ليستجيب لمقتضى
الحداثة ومقتضى الأنوارية ومقتضى فكر بنفسك ولا تنتظر وصاية أحد
عليك..
مالك التريكي:
خاصة أن هو من حدد مع مفهوم الأنوار.
طه عبد الرحمن:
الأنوار وخصوصا أنه هو اللي حدد فإذاً هي مسألة استيلاء العقل على أمور
دينية وصرفها صرفا عقلي فهذه العملية أصبحت اليوم.. أما السبب الرئيسي
في أن الدين هو أصل وقلت هذا مرارا وتكرارا في مجالات مختلفة هو أن
القيم الأخلاقية هي مُثُل لا وجود لها في الواقع لا هي وقائع ولا هي
مجردة من الوقائع كما تجرد الكليات من الجزئيات..
مالك التريكي:
تعرضنا لذلك في الحلقة السابقة التفريق بين القيم الأخلاقية وبين
الكليات والمجردات..
طه عبد الرحمن:
ولكن لا أكتفي، أقول فقط هي مُثُل وهذا الذي يفصلني عن التصورات اللي
هي موجودة وتقول بإن القيم الأخلاقية هي مُثُل لا، هي معاني مشخّصة في
داخل الإنسان ليست مُثُل في عالم آخر في عالم خارج هذا الواقع، بل هي
معاني مشخّصة وحية في نفس الإنسان ووظيفة الوحي أن يخبرنا بوجود هذه
المعاني والتصرف وفق هذه المعاني، وظيفته بالضبط، لماذا؟ لأن الوحي لم
ينزل إلينا ليخبرنا عما يستطيع العقل أن يصل إليه مثلا من الحقائق
الكونية، لا جاء الوحي ليخبرنا بالحقائق المعنوية التي فطرنا عليها
والتي ينبغي أن نسلك وفقها، فإذاً وظيفة الوحي ليست وظيفة تعريف
الكونيات وأسميها بالملكيات وإنما التعريف بالآيات وأسميها
بالملكوتيات، يعني القيم الأخلاقية هي آيات وضعت في نفس الإنسان بإرادة
الله سبحانه وتعالى..
مالك التريكي:
على هذا الأساس دكتور طه بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "إنما
أتيت لأتمم مكارم الأخلاق" السؤال المنطقي هو أن الأخلاق كانت موجودة
قبلا، الآن ما نشهده في الواقع العيني هو أن هنالك كثير ممن يتخلقون
بالأخلاق الفاضلة ولا يؤمنون بالغيبيات حتى لا يؤمنون بالله بينما
هنالك كثير.. هذا محاولة تقريب المفاهيم للواقع بينما هنالك كثير ممن
يتدينون بالأديان السماوية ولنقل من المسلمين ولا يتحلون بالأخلاق
الفاضلة؟
طه عبد الرحمن:
هو قضية هذا الواقع موجود أستاذ مالك أنت مصيب في هذا الوصف، يعني
حقيقة الواقع نجد مسلمين لم يتحقق فيهم شرط الأخلاق الموصولة بالدين
ونجد آخرين غير مسلمين تحققوا بشرط الأخلاق ولكن فصلوها عن الدين، فهذا
واقع هذا لا يعني أن القيم التي سلك وفقها غير المؤمن بالدين أنها ليست
مستمدة من الدين، يعني هو كما قلت سلك طريق علمنتها، عقلنتها، أرخنتها،
كما يقولون لتصبح كأنها معاني داخل المجتمع وداخل حياته الخاصة بل
حياته الخاصة، لأن أغلب. وهذه نقطة في غاية الأهمية الوقت يضيق لنتعرض
إليها وإن الأخلاق صرفت إلى المجال الخاص إلى مجال الحياة الخاصة هذا
أمر.. وأنا اعترض..
مالك التريكي:
مثلما يراد للدين عادة في المجال العلمي..
طه عبد الرحمن:
وأنا اعترض على هذه المسألة اعتراضا كليا بحجة قاطعة وهو أن الأخلاق لا
تختلف عن القانون، بل القانون هو تقنين للأخلاق، إما تقنين للأخلاق
القائمة وتنظيم لها وإما تقنين لأخلاق يريد من المجتمع ويرغب في
المجتمع أن يتحلى بها، بمعنى أن الفصل بين.. وهذا الذي أدى إلى تخصيص
الأخلاق، هم أنهم فصلوها عن القانون وحقيقة الأمر أن القانون إنما هو
تشريع لقيم أخلاقية بعضها كما قلت قائم وبعضها نريد المجتمع أن يسلك
وفقها ولكن الكثير من القيم الأخرى لم يوضع لها هذا التشريع فتعتبر من
باب الأخلاقيات ومن الباب الخاص في حين القانون ومن الباب العام ومن
باب هكذا..
مالك التريكي:
إذاً أنت تنقد هذا الفصل الذي يمثل فصل مفصلي إن صح التعبير في الحضارة
الغربية بين القانون والأخلاق على أساس أن يمكن الاستعاضة عن الأخلاق
بالقانون المتعارف عليه، أنت ترى أن هذا الفصل هو فصل لا معنى
له؟
طه عبد الرحمن:
هذا الفاصل باطل لأن الواقع الذي يقنن لها القانون هي
أخلاقية..
مالك التريكي:
تُقوّم تقويم أخلاقي..
طه عبد الرحمن:
أخلاقي ولكن ما الفرق؟ هو أنه أخضعها للجزاء، أنه يتاب فاعلها قد لا
يتاب فاعلها ولكن يعاقب مخالفها ولكن هناك وقائع أخلاقية لم يدخلها باب
الجزاء، فإذاً في الحقيقة ماذا فعل القانون؟ هو أنه انتقى بعض الأفعال
الأخلاقية ووضع لها وصف الجزاء أخضعها للجزاء وانتهى الأمر وترك كثير
من الأخلاق والدليل على ذلك أننا نجد مثلا بين مجتمعين مجتمع مسلم
ومجتمع غير مسلم هناك أمور تعتبر بالنسبة للمجتمع الغربي أخلاقية عندنا
ونحن نعتبرها من أحكام الدين، يعني إنها قانون إنها تخضع للقانون
للفقه، كيف؟ هو يعتبرها من باب الأخلاق فكل الأمور السلوكيات هي داخل
باب القانون وتصرف العقل البشري تصرف اعتباطيا أقول وتعسفيا حيث انتقى
بعضها ووضع له أحكاما وترك البعض الآخر وترك الأكثر منها وهذا تعسف
بالنسبة له..
مالك التريكي:
هي أزمة الفصل هذه أو مشكلة الفصل موجودة في الحضارة الغربية في مجال
آخر بالنسبة إليك لأنك تقول إن الحضارة الغربية تعيش أزمة الصدق بسبب
فصلها بين العلم والأخلاق وتعيش أزمة القصد بسبب فصلها بين العقل
والغيب، ماذا تعني عندما تقول إن الأخلاق الإسلامية هي أخلاق كونية
عميقة وحركية؟
" الأديان
يكمل بعضها بعضا ولكن كل دين له زمن خلقي أفضل من الزمن الذي
سبقه، لأنه يأتي بصفات وبأخلاق جديدة، ولذلك كانت الأخلاق
الإسلامية أعمق وأكثر حركية من سابقتها " |
طه عبد
الرحمن: وهو حقيقة الأخلاق الإسلامية أولا انطلقت أو انطلاقي دائما
تفكيري في إطار مجال تداول الإسلام، أنا لا أفكر خارجه إطلاقا، بل إذا
شعرت بأني مريت بلحظات ونشعر أخرج منه أعود إليه واغطس كليتي فيه
لاستخرج ما يمكن استخراجه، فأنا اعتبر أن الأديان يكمل بعضها بعضا ولكن
كل دين له زمن خٌلقي أفضل من الزمن الذي سبقه، لأنه يأتي بصفات وبأخلاق
جديدة يضيفها إلى.. كي تراكم ديني كما هناك تراكم معرفي والتراكم
الديني تراكم أخلاقي وقيمي، فلذلك تكون الأخلاق الإسلامية أعمق من
سابقاتها وتكون أكثر حركية من سابقاتها لماذا؟ لأن كما قلت الحركية
الموجودة في الأديان السابقة زادت مع الدين الإسلامي والعمق الموجود في
القيم السابقة زاد أيضا مع الدين الإسلامي، بموجب خاتمية الدين
الإسلامي وبموجب تكميله لمكارم الأخلاقي، الإسلام هو دين البشرية
جمعاء، فنستطيع أن نخدم ونسهم في الحضارة الكونية من هذه الزاوية،
بمعنى أن القيم التي يحتضنها الإسلام كونية يقبل بها البشر جميعا لو
تُقدّم وتُعرض إلى الآخرين بالطرق التي يعرضون بها قيمهم وهي طرق
استدلالية وطرق حوارية وطرق الاستشكال المعروف الفكري المعروف في مجال
الفكر بصفة عامة.