الثلاثـاء 27 صفـر 1432 هـ 1 فبراير 2011 العدد 11753
ارسل هذا المقال بالبريد الالكترونى   اطبع هذا المقال  







 

إشكالية المنهج في فكر حسن حنفي

محمد حلمي عبد الوهاب

في سياق دعوته للعودة إلى التراث والاستقلال عن الثقافة الغربية نحى حسن حنفي إلى تأكيد ضرورة اتباع خط مستقل لما سماه بالثقافة الشرقية، ولكن عن طريق اقتباس مناهج غربية، بحيث أننا كلما ازددنا إمعانا في هذا اللون من الاستقلال ازددنا في الوقت نفسه تأكيداً على اعتمادنا على الغرب نفسه! ولعل ذلك هو ما دفع فؤاد زكريا لأن يصف دعوة حنفي هذه بأنها: ليست إلا تطبيقا لمناهج غربية بحتة على المجال الديني والفكري في بلادنا. مستطردا أننا إذا كنا نعترف بقيمة هذه الدراسات بوصفها نموذجا يساعدنا على التحرير من كثير من العناصر الخرافية في تفكيرنا، فلا ينبغي أن ننكر أننا بإتباعنا هذا الطريق إنما نزيد من تغلغل القيم الثقافية الغربية في تراثنا. وعبر تقويمه البرنامج الذي أعده حنفي لتراثنا القديم يخلص زكريا إلى القول: إن ذلك البرنامج دليل قاطع ـ بحد ذاته ـ على تغلغل القيم الثقافية الغربية في تفكيرنا.

وفي الواقع، لا يكتفي زكريا بذلك فحسب، وإنما يقتبس مما كتبه حنفي مقولة يُبطلُ بها أساسَ دعوته للعودة إلى التراث القديم، ويُثبتُ له فيها أنها تُصبح غير ذات موضوع بالمرة طالما أنها تعتمدُ على تطبيق المذاهب الغربية المختلفة على بلادنا، لأن من شان هذه المذاهب الرفض الكامل للماضي ولكل ما أودع من ثقة للموروث قائلاً: وأودُ أن أختم هذا الجزء من مثالي باقتباس مستعد من مقال الدكتور حسن حنفي يشرح فيه أهمية وفائدة دراسة المذاهب المختلفة بالنسبة إلى مجتمعاتنا، يقول حنفي: «تعطي المذاهب قوة رفض رهيبة للماضي بكل ثقله، وللموروث بكل الثقة الموضوعة فيه، (مؤكدة) بأن الماضي مهما بلغ من صدقه فإن الواقع سيتخطاه لا محالة، وبأن التقدم يفرض نفسه». ثم يعقب زكريا بالقول: «إن هذا كلام رائع ولو أصبح هو معيار نظرتنا الى الأمور لكان معناه أن تصبح الدعوة الواردة في المقال الذي اقتبست منه هذه الكلمات غير ذات موضوع».

الغريب في الأمر، أن الإشادة بملاحظات فؤاد زكريا، رغم ما تمتاز به من موضوعية وألمعية، لا تتم إلا في سياق «الشماتة» من قبل الإسلاميين! فضلا عن أنها تعبر عن منطق مغلوط يغلب على أطروحاتهم، ألا وهو العمل بمبدأ «وشهد شاهد من أهلها» والذي يتم توظيفه باستمرار، سواء في سياق تأكيد أهمية الحضارة الإسلامية حين يجترون أقوالا وشهادات إيجابية لغربيين بشأنها، أو في سياق نقدهم الاستشراق من منظرو ديني محض، أو في أية سياقات أخرى على الإطلاق!! ولو أنهم أضافوا إلى أوجه النقد هذه أسبابا «موضوعية» أخرى، لحققوا بذلك تقدما على مستوى ثراء الفكر، أما أن يكتفون بإبراز أوجه النقد وتقديمها مشفوعة بضرب من الشماتة بحق الشخص المنتقد، فذلك ما لا يقدم ولا يؤخر في شيء! فمن المعلوم أنه غلب على مشاريع رواد التجديد والإصلاح، طوال عصر النهضة العربية ابتداء من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده بصفة خاصة، تصورين رئيسين مترابطين:

أولهما: إرجاع أسس التقدم والتطور العلمي الذي أحرزه الغرب إلى أصول إسلامية، باعتبار أن الغرب قد استمد جذور نهضته وحضارته من الإسلام، ومن تراث العرب.

ثانيهما: التأكيد ـ وبموازاة ما سبق ـ على أن الإسلام الصحيح لا يناقض إطلاقا المدنية الحديثة، بل ينسجم في جوهره انسجاما كاملا معها، اما ممارسة الإسلام اليوم كما تتبدى في سلوكيات المسلمين فتلك مسألة أخرى، إذ لا تعبر عن حقيقة الإسلام الصحيح وجوهره في شيء!! وإنما هي ناتجة عن تخلف المسلمين وبقائهم لفترات طويلة ضحايا الجهل والاستبداد.

ونتيجة لذلك، حاول الأفغاني إثبات أن «جوهر الإسلام وهو جوهر العقلانية الحديثة ذاتها» حيث نظر إلى الإسلام نظرة فلسفية غير لاهوتية، موحدا ما بين الفلسفة الحديثة والنبوة، معتبرا أن الغاية من أعمال الإنسان ليست خدمة الله فحسب، بل خلق مدينة إنسانية مزدهرة في كل نواحيها.