أضواء - أيديولوجيا عبد الله العروي:
تفكير بالفرنسية وكتابة بالعربية - فيلسوف يراهن علي كتابة لا تخدع - المصطفي
الصوفي
2003/04/23
أضواء -
أيديولوجيا عبد الله العروي: تفكير بالفرنسية وكتابة بالعربية - فيلسوف
يراهن علي كتابة لا تخدع - المصطفي الصوفي فاز المفكر المغربي عبد
الله العروي في الآونة الاخيرة بجائزة كاتالونيا الدولية. هذا
المفكر الاستثنائي، يكتب بهيروغليفية عربية وفرنسية، من دون ان تكون له
عقدة الذنب للانتماء لمنطق فرونكفوني، يصر بعض المتزمتين بانه منطق لا
خلاص فيه، بل امتداد ماضوي عنيد، يبني للبعض اهراما من جراحات لا تنسي،
عبد الله العروي ابن مدينة ازمور الجديدة (حوالي 120 كلم غرب مدينة
الدار البيضاء)، ازمور فضاء ابداعي بامتياز، جعل منه الفنان التشكيلي
الهبولي، مربط فرس لوحاته التشكيلية، كما جعل منه العروي فضاء خاصا
لطقوسه الابداعية، حيث شفق الشمس الاطلسية واحلام وادي ام الربيع وشغب
اليومي المعيش المليء بالمتناقضات. عبد الله العروي (67 عاما) حصل
علي دكتوراه الدولة في التاريخ من جامعة السربون بباريس سنة 1976. اما
في سنة 1963 فقد حصل علي شهادة التبريز في الاسلاميات، وقبل ذلك حصل
علي دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية سنة 1956 وفي علوم
التاريخ سنة 1958. عبد الله يبدع في مجالات الفلسفة، التاريخ
والسياسة ونقد الثقافة والمثقفين العرب والرواية والتاريخ، وفي هذا
السياق ألف مجموعة من الروايات هي كالتالي: ــ الغربة واليتيم عام
1984 ــ الفريق عام 1986 ــ اوراق عام 1989 ــ غيلة
1998 صاحب كتاب الايديولوجيا العربية المعاصرة الذي صدر باللغة
الفرنسية عام 1967، وترجمه الي اللغة العربية سنة 1970، المرحوم محمد
عيتاني، العروي عرف كيف يتأمل الفكر السياسي العربي المعاصر، باسلوب
جدي، الشيء الذي جعل كتابه ممنوعا في كثير من الدول العربية واولها
المغرب، موطن اجداده، وفضاء طفولته ودراسته. تدرج الفيلسوف العروي
في سلم الكتابة الفكرية الجادة، لينال عطف العديد من القراء
والمناصرين، في المغرب والدولة العربية والغربية، اصدر سنة 1970 كتابه
تاريخ المغرب العرب باللغة الفرنسية الذي ترجمه الي العربية بعد سبعة
اعوام الباحث قرقوط ذوقان في بيروت، هذه الترجمة لم تكن تتوافق والنص
الاصلي، الشيء الذي اغضب العروي، ليعيد ترجمة المؤلف من جديد وانطلاقا
من 1984 صدر جزء من مؤلف مجمل تاريخ المغرب وفي منتصف التسعينيات اصدر
الايديولوجيا العربية المعاصرة بصبغة جديدة وكان كتابه (ازمة المثقفين
العرب)، بالفرنسية بمثابة نقد ايديولوجي للايديولوجيات العربية في
مرحلة انتقالية فرضتها اخفاقات الماضي وانحرافات الحاضر فصول هذا
الكتاب صدرت بعنوان العرب و(الفكر التاريخي عام 1973). أما الكتاب
الذي لم يترجم بعد فهو الاصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية
1830 ــ 1912، الذي صدر عام 1977، وهو موضوع اطروحة في دكتوراه الدولة
باللغة الفرنسية، وجاءت السنوات الخصبة لممارسة الابداع ليصدر سنة 1981
ثلاث مؤلفات دفعة واحدة هي: ــ مفهوم الحرية، مفهوم الايديولوجيا،
مفهوم الدولة. ثم جاء مفهوم العقل 1996 وقبله مفهوم
التاريخ. للدكتور عبد الله العروي حكاية خاصة مع فلسفة التاريخ،
وايديولوجيا المعرفة بشكل عام، ونقد المجتمع، والمؤسسات، هو مبدع، كان
غريبا ويتيما، ولعب لعبة طريفة في فريق 1986 وكتب اوراق العمر، يفكك
الفكر الجماعي، ويعشق مغازلة الايديولوجيا والفكر السياسي، انه بكل
بساطة مثقف ممتاز، ومفكر من طينة اسمي يكتب بالعربية، وهو يفكر
بالفرنسية، يكتب بالفرنسية بعقل غربي معاصر، ليكشف القناع عن رموز
الايديولوجيات، يتجاوز الخطوط الحمر، بمفاهيمه، ومقترحاته، هكذا هو عبد
الله العروي، فيلسوف نادر، يراهن بموضوعية، لاجل كتابة لا تخدع وتخادع
كتابة جادة، تتمدد، تغضب وتفتح مفاتيح الخلاص لابواب موصدة. واكد
المفكر المغربي عبد الله العروي، ان ميدان السياسة هو ميدان للمصالح،
وليس ميدانيا للعقائد موضحا في السياق نفسه ان ما يجب ان يحكم الفكر
والتعليم والتربية الوطنية هو العامل الاقتصادي، وما يتفرع عنه من
مصالح وفوائد تستقي مصداقيتها من منفعيتها علي مستوي التجريب. واضاف
المفكر العروي في اللقاء التلفزي الذي بثته القناة المغربية الثانية
قبل اسابيع في الواجهة ، ان السياسة ليست قضية اختيار بقدر ما هي قضية
امكانات، ومن هنا يصبح الحزب السياسي بامتياز هو من يحتكم الي برنامج
سياسي دقيق، وواضح وعملي بدل الاكتفاء باجترار مرجعيته
الايديولوجية. حيث ان الحزب الذي يدعي تمثيل الشعب يفتقد شرط
كينونته كحزب سياسي، ويبقي مجرد اتجاه ايديولوجي، كل هذه المعطيات ــ
يضيف العروي ــ تنسحب علي الخطاب والمشهد الحزبي بالمغرب، مؤكدا علي ان
من اطلق عليه الاحزاب الادارية جاء لتلبية حاجة ماسة لم تبلها الاحزاب
العتيدة ، ومن صالح الجميع ان تتقوي هذه الاحزاب وان تختار في المجال
السياسي المغربي علي عكس ما يري البعض. وأبرز عبد الله العروي صاحب
رواية الفريق ، ان المهم في المشهد السياسي المغربي، هو كيف ستنتهي هذه
الولاية بحلول سنة 2002، مؤكدا علي ان الاصلح بالنسبة للمغرب هو الحكم
البرلماني، ومستبعدا ان يكون التناوب كممارسة عملية مستوفيا لمضمون هذا
المصطلح كمفهوم، اذ لا تعدو، هذه التجربة ان تكون مجرد توسيع لدائرة
المشاركة علي مستوي الهيئات بعد ان كانت تقتصر علي الاشراك الفردي ،
كما ان المغرب يتوفر علي نوع من القوة الذاتية التي قد تؤهله للانفتاح
باقل قدر من المخاطر، ونضج الممارسة الديمقراطية مرتبط بمدي انبنائها
علي الديمقراطية المحلية ، مذكرا علي ضرورة تخلي الدولة عن كثير من
المسؤوليات خصوصا في مجال التعليم، علي ان تحتفظ بدورها في وضع اسس
سياسة ثقافية عامة، يكون جانب التأهيل المهني وتخصصاته العملية مهما،
حيث تصبح الدولة اطارا فاعلا. اما بخصوص ولوج تجربة العولمة، فيتطلب
ذلك امرين، الاول قطيعة مع ماضي الذات ونرجسيتها، والثاني مع العرب بعد
فهمه فهما جيدا، موضحا في السياق نفسه تبعية الثقافي للسياسي، لان
السياسة تسيطر علي الوعي المغربي بكامله، وهذا من وجهة نظره من علامات
التأخر السياسي والاقتصادي معا في عدد من الدول العربية، ولعل من اسباب
تلك الشعبية، سيادة التفكير السطحي الذي يعتقد ان السياسة هي الحل
الاوحد لكل الامور، ولتفاعل العلاقة بين الثقافي والسياسي، يري العروي
ان تعي الثقافية منطقها وتذهب الي غايتها من دون مطالبته بالاستقلال
الثقافي عن السياسي. كما طالب باصلاح العمل الجمعوي والصحافة
والانتخابات وتقديس الدستور، بعد اجراء التعديلات اللازمة، وشدد علي
الاهتمام بالتعليم واصلاحه، مؤكدا انه من انصار طي صفحة الماضي
والانفتاح علي المستقبل، حيث قال اذا تم اختيار منذ البداية الحداثة
ومنطقة الاقتصاد والنفعية فلن يحصل أي اصلاح هذا من دون ان ينسي موضوع
المرأة وما دار حولها من نقاش، حيث اكد علي ضرورة تعليمها لاجل التنمية
والتدبير العائلي والمجتمعي.
AZZAMAN NEWSPAPER --- Issue
1487--- Date 24/4/2003
جريدة (الزمان) --- العدد 1487 ---
التاريخ 2003 - 4 - 24