المصرى اليوم | «النموذج التركى» فى مرآة الثورات العربية
                   تاريخ العدد       الاحد   ٢٦   يونيو   ٢٠١١     عدد    ٢٥٦٩  
 
ابحث
English
  أعداد سابقة  

  الآنتقال الى

المواضيع الرئيسية
الرئيسية 
رسالة من المحرر 
قضايا ساخنـــــة  
اخبــار الوطن  
رياضــــــــــــة  
اقتصــــــــــاد  
مساحـــــة رأى  
حوار  
اخبــــار العالم  
حوادث و قضايا  
السكوت ممنوع  
زى النهارده  
تحليل اخبارى  
صفحات متخصصة  
فنون  
أخيرة  
أعمدة العدد
  خط أحــــــــمر
  ٧ ايام
  خارج النص
  من القلب
  معاً
  تخاريف
  الكثير من الحب
  على فين



الرئيسية | مساحـــــة رأى
اطبع الصفحة    ارسل لصديق    اضافة تعليق


«النموذج التركى» فى مرآة الثورات العربية

  بقلم   د. حسن نافعة    ٢٦/ ٦/ ٢٠١١

اهتمام الدول الأوروبية بـ«الربيع العربى» فاق كل التوقعات. ويكفى أن يطلع المرء على قائمة الأنشطة والبرامج البحثية لمراكز التفكير الأوروبية، أو على عناوين الإصدارات الجديدة فى منافذ بيع الكتب، كى يدرك هذه الحقيقة بوضوح تام. ومنذ أيام قليلة، أتيح لى أن أشارك فى مؤتمر نظمه «معهد الشؤون الدولية» فى روما، بالتعاون مع وزارة الخارجية الإيطالية، تبين لى أنه مجرد حلقة فى برنامج بحثى متكامل يتضمن سلسلة طويلة من المؤتمرات والندوات وورش العمل التى تستهدف دراسة التأثيرات المحتملة للثورات العربية على سياسات الأمن والتعاون الأوروبى فى مختلف المجالات على الأمدين القريب والبعيد.

وعندما توقفت فى باريس فى طريق العودة إلى القاهرة تبين لى، بعد زيارة لأحد أهم منافذ بيع الكتب هناك، أن الثورات العربية والسير الذاتية لزعماء العهد العربى البائد، أمثال بن على ومبارك والقذافى وصالح، تأتى على رأس قائمة الإصدارات الجديدة.

كانت ندوة روما التى دعيت إليها للمشاركة بعنوان: «استكشاف النموذج التركى فى ضوء الربيع العربى Exploring the Turkish Model on the light of the Arab Spring»، واستهدفت دراسة العناصر التى قد تجعل من «النموذج التركى» نموذجاً ملهماً للثورات العربية ومؤثرا فى صنع المستقبل العربى.

وقد استغرقت الندوة يوماً واحداً (٢١ يونيو)، حضرها حوالى ٣٠ باحثا من أوروبا وأمريكا والدول العربية وتركيا، وقسمت إلى جلستين طويلتين: إحداهما صباحية والأخرى مسائية، استغرق كل منهما ما يقرب من ثلاث ساعات. حملت الجلسة الأولى عنوان: «فهم معنى النموذج Understanding the meaning of the Model»، واستهدفت تقديم قراءة عربية وتركية وغربية لمعنى ومضمون هذا «النموذج»، وتحدث فيها بالترتيب: أحمد دريس، مدير مركز الدراسات المتوسطية والدولية بتونس، وكاتب هذه

السطور، ومديجة ألتونيسك، مديرة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية فى جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة، وعمر تاسبينار، الباحث فى مؤسسة بروكينجز. أما الجلسة الثانية، التى حملت عنوان: Operationalising the Turkish Model in Turkish، the EU and the US Foreign Policies، فقد استهدفت بحث كيفية ممارسة النموذج التركى لتأثيره من الناحية العملية على سياسات تركيا والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط،

وتحدث فيها كل من: سينان أولجين، رئيس مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية فى إسطنبول، وجوشوا والكر، الباحث بمؤسسة «صندوق مارشال الألمانى» فى واشنطن، وكلير سبنسر، رئيسة برنامج الشرق الأوسط فى المعهد الملكى للدراسات الدولية بلندن، وإدوارد سولر، الباحث فى مركز المعلومات والوثائق الدولية فى برشلونة.

 ولأن الندوة اقتصرت على الباحثين المشاركين فيها ولم تكن مفتوحة للجمهور، فقد اتسمت بحيوية شديدة، وأظهرت قدرا هائلا من تباين الآراء، سواء فيما يتعلق بمعنى «النموذج التركى» وطريقة فهمه، أو فيما يتعلق بتأثيراته المحتملة أو المرجوة على صياغة السياسات الغربية فى منطقة الشرق الأوسط.

عبرت فى مداخلتى عن تشككى فى وجود «نموذج تركى» قابل للتقليد فى العالم العربى، بل رفضت أصلا فكرة أن تكون هناك نماذج سياسية أو اجتماعية بعينها قابلة للمحاكاة أو التقليد فى مناطق أخرى فى العالم. فكل «نموذج» سياسى أو اجتماعى ولد من رحم تجربة تاريخية صنعتها مجتمعات بشرية بعينها. ولأن لكل من هذه المجتمعات خصائص ثقافية وحضارية تفرزها تفاعلات تجرى بين مكوناتها الداخلية أو الذاتية، من ناحية، وفى ظل بيئة إقليمية ودولية محيطة، من ناحية أخرى،

فقد تمارس «النماذج» أو «النظم» التى تفرزها تأثيرا ملهما على غيرها من المجتمعات، غير أنها ليست بالضرورة قابلة للتقليد أو النقل أو إعادة الغرس فى تربة مختلفة. لذا، فحين نتحدث عن تجربة حزب «العدالة والتنمية»، أظن أنه من الأسلم أن ننظر إليها باعتبارها «قصة نجاح»، ربما تكون ملهمة لغيرها، لكنها لا تشكل بالضرورة نموذجا قابلا للنقل أو التقليد. صحيح أن حزب العدالة والتنمية تمكن من حل عدد من الإشكاليات المزمنة فى تركيا، كإشكاليات الاستقرار والهوية والتبعية.. إلخ، وصحيح أيضا أن بوسع المجتمعات الأخرى التى تواجه إشكاليات مماثلة أن تستفيد من تجربته، لكن فى حدود ما تسمح به خصائصها الذاتية، لا أن تستعير «نموذجا» تعيد غرسه فى تربة أخرى، ربما تكون غير صالحة لنموه.

فمنذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، الذى تواكب مع قيام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس نظام علمانى مقلد للغرب ومعاد للإسلام، عاشت تركيا سلسلة لم تنقطع من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى أن تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى السلطة عام ٢٠٠٢.. فقد استطاع هذا الحزب أن يقدم - وفى أقل من عشر سنوات - حلولا فعالة لمعظم الإشكاليات والأزمات التى عاشتها تركيا والتى كان من أهمها:

١ - الإشكالية الديمقراطية وتدخل الجيش: حيث اتسمت الحياة السياسية التركية بحالة من عدم الاستقرار، أدت إلى تدخل الجيش بشكل مباشر فى الحياة السياسية وقيامه بانقلاب عسكرى كل عشر سنوات تقريبا، فى ١٩٦٠، و١٩٧١، و١٩٨٠، كما قام بانقلاب غير مباشر حين أطاح بحكومة أربكان عام ١٩٩٧. وبنجاحه فى الحصول منفردا على أغلبية المقاعد فى ثلاثة انتخابات برلمانية متتالية، تمكن حزب العدالة والتنمية، ليس فقط من تغيير شكل الخريطة السياسية فى تركيا، وإنما من حماية الديمقراطية أيضا وتقليص دور الجيش فى الحياة السياسية وشل قدرته على التصرف المنفرد، بل لم يعد مستبعدا أن يتمكن هذا الحزب فى النهاية من التأسيس لنظام ديمقراطى كامل يماثل النظم الأوروبية العريقة فى ديمقراطيتها.

٢- إشكالية الهوية والتغريب: لقد عاشت تركيا عقوداً طويلة أزمة هوية عميقة نجمت عن عدم الانسجام القائم بين المعطيات التاريخية والثقافية والجغرافية للدولة والمجتمع فى تركيا وبين واقع سياسى وثقافى وقانونى فُرض على الشعب التركى، مما تسبب فى إحداث فجوة لم تكف عن الاتساع بين هويته الطبيعية - وهى بالضرورة إسلامية وشرقية - وهوية مصطنعة أُريد لها أن تكون تغريبية ومعادية للإسلام. وقد استطاع حزب العدالة والتنمية حل هذه الإشكالية حين نجح فى تقديم أطروحات براجماتية تتسم بالواقعية والاعتدال، وتمكن من ثبيت دعائم لنظام سياسى واجتماعى مختلف تجلت من خلاله قدرة الهوية والقيم الإسلامية على التكيف مع قيم الحرية وحكم القانون والعدالة والشفافية، مع المحافظة فى الوقت نفسه على مصالح تركيا الاستراتيجية مع الغرب.

٣ - إشكالية التنمية والتحديث: لقد ظل الاقتصاد يعانى فترات طويلة من مشكلات بنيوية حالت دون انطلاق تركيا على طريق التنمية، إلى أن تمكن حزب العدالة والتنمية من تحريره من هذه المشكلات، فقد نجحت السياسات الاقتصادية التى تبناها فى زيادة الناتج القومى الإجمالى من ٣٠٠ مليار دولار عام ٢٠٠٢ إلى ٧٥٠ ملياراً عام ٢٠٠٨، ومتوسط نصيب الفرد من الدخل القومى من ٣٣٠٠ دولار سنويا إلى أكثر من عشرة آلاف جنيه فى الفترة نفسها، ليحتل الاقتصاد التركى المرتبة السادسة عشرة على المستوى العالمى، والمرتبة السادسة على المستوى الأوروبى.

٤- إشكالية التبعية وغياب الدور المستقل: ظلت تركيا فترة طويلة ترتبط مع الغرب وإسرائيل بعلاقات استراتيجية، بدت فى ظلها أقرب إلى الدولة التابعة منها إلى الدولة المستقلة والفاعل النشط على الساحة الدولية، إلى أن جاء حزب العدالة والتنمية ونجح فى صياغة سياسة خارجية مكنت تركيا من لعب دور فاعل ونشط ومستقل، على الصعيدين الإقليمى والدولى، مع المحافظة فى الوقت نفسه على علاقتها وعلى مصالحها الاستراتيجية مع الغرب وإسرائيل.

ومن الواضح أن اهتمام الغرب بالنموذج التركى يبدو مدفوعا - بصفة خاصة - بارتياحه لقدرة هذا النموذج على تحقيق مصالحة حقيقية ودائمة بين «الإسلام والديمقراطية»، من ناحية، وبين «الإسلام والغرب»، من ناحية أخرى، وعلى التعامل بواقعية مع مشكلات الأقليات والحريات الدينية، من ناحية ثالثة.

 من هنا جاء حماس الغرب لهذا النموذج وسعيه الواضح لكى يصبح نموذجا يحتذى من جانب الثورات العربية.. لكن يبدو أن الغرب - هكذا أكدت فى مداخلتى - لم يستوعب بعد خصوصية التجربة التاريخية التركية، التى تحد من إمكانية تقليدها أو تكرارها فى العالم العربى.

فرغم ترحيب الأحزاب الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، بالتطور الذى تشهده تركيا من وصول حزب العدالة والتنمية، فإنها لا ترى فى هذا الحزب ولا فى أطروحاته الفكرية نموذجا للحزب أو للمجتمع الإسلامى الذى ترغب فى تأسيسه.

وهنا تبدو المفارقة واضحة بين ما يتمناه الغرب وواقع الحال فى العالم العربى.. لكن هل الغرب سعيد حقا بما يجرى فى تركيا، خصوصا ما يتعلق بالسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية.. وهل يتمنى حقا أن تتطور الدول العربية فى هذا الاتجاه؟.. هذا ما سنحاول الإجابة عنه فى مقال الأسبوع المقبل بإذن الله.


 
.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة المصرى اليوم  
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مؤسسة  المصرى اليوم 

أتصل بنا

 | 

اتفاقية الاستخدام

 | 

الرئيسية

Site developed, hosted, and maintained by Gazayerli Group Egypt