المصرى اليوم | الملكيات العربية.. وهم الاستقرار وحتمية التحديث
                   تاريخ العدد       الخميس   ٢٣   يونيو   ٢٠١١     عدد    ٢٥٦٦  
 
ابحث
English
  أعداد سابقة  

  الآنتقال الى

المواضيع الرئيسية
الرئيسية 
رسالة من المحرر 
قضايا ساخنـــــة  
اخبــار الوطن  
رياضــــــــــــة  
اقتصــــــــــاد  
مساحـــــة رأى  
حوار  
اخبــــار العالم  
حوادث و قضايا  
سينما  
السكوت ممنوع  
زى النهارده  
صفحات متخصصة  
فنون  
أخيرة  
أعمدة العدد
  خط أحــــــــمر
  ٧ ايام
  معاً
  عن قرب
  تخاريف
  وجهة نظر
  الكثير من الحب
  صوت وصورة
  على فين
  كتـــــــوبــة



الرئيسية | مساحـــــة رأى
اطبع الصفحة    ارسل لصديق    اضافة تعليق


الملكيات العربية.. وهم الاستقرار وحتمية التحديث

  بقلم   د. خالد الحروب    ٢٣/ ٦/ ٢٠١١

«نحن مختلفون»، هذا ما أقنعت نفسها به العديد من الملكيات العربية بتنويعاتها المختلفة، الملكية التقليدية والأميرية والسلطانية، فى محاولة دحضها احتمالات امتداد حالة الثورات العربية إليها. استثمرت الدعاية الملكية بطش الجمهوملكيات العربية لتوصل لشعوبها رسالتين: تقول الأولى إن تاريخ الجمهوريات العربية ملطخ بالدماء والشراسة فى مواجهة شعوبها، وإن استقرارها كان دوما فى مهب ريح الانقلابات العسكرية وتقلب الولاءات الدولية، وذلك كله على عكس تاريخ الملكيات العربية، التى استقرت أوضاعها وشكلها السياسى وأمنها الداخلى.

الرسالة الثانية تقول إن الثورات الأخيرة أنتجت فوضى وعدم استقرار وغياب أمن فى جمهوريات ما بعد الثورات، وهى أوضاع لا يمكن أن تتطلع إليها الشعوب فى تلك الملكيات أو أن تعكس أحلامها. ملخص الرسالتين واضح وصارم: ارضوا بالوضع القائم، لأنه أفضل ألف مرة من التفكير فى تغييره، فهو وضع يضمن الأمن والاستقرار وهما أهم من كل شعارات الحرية والكرامة والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية، التى يجأر بها «ثوار الجمهوريات». ارضوا بالوضع القائم مهما كانت شرعيته، ولا تطالبوا بشرعية تأسيسية جديدة لنظام الحكم، لأن ذلك يعنى إثارة الطوفان الكامن تحت السطح، والذى لا ينفجر فى وجه الجميع، لأن نظام الحكم الحالى يطوى قبضته على الشروخ الطائفية والقبلية والجهوية وغيرها مما يعوق قيام اجتماع سياسى توافقى بين مكونات الشعب الواحد.

أطروحة الاستقرار والأفضلية النسبية فى هذا المجال لأنظمة الحكم الملكية فى العالم العربى على الأنظمة الجمهورية- لم تخل من بعض وجاهة فى العقود والسنوات الماضية، بيد أنها استنفدت كل طاقتها مؤخرا، ولم يعد بالإمكان استمرار التغنى بها والتشبث بها من قبل أنصار الملكيات المطلقة الحالية. على المدى القصير يمكن لهذه الملكيات أن تعتاش على تخوفات شعوبها من الانهيار وفقدان الأمن، وما تبقى من أطروحة الاستقرار، لكن على المديين المتوسط والطويل لا يمكن لهذه الملكيات أن تستمر إلا إذا عملت على تحديث نفسها على شكل ملكيات دستورية تنفصل فيها السلطات الثلاث بشكل حقيقى عن المؤسسة الملكية، التى تتحول إلى مؤسسة رمزية، هدفها تعزيز الوحدة الجماعية.

عالم القرن الحادى والعشرين وإعلامه المعولم والمفتوح، وارتفاع مناسيب الحرية السياسية فى كل رقاع الأرض، وانتفاض أجيال الشباب فى كل مكان بهدف امتلاك زمام القرار بشأن مستقبلهم وتأثرهم بتجارب نظرائهم فى الثورات الناجحة، والانتشار الكثيف لوسائل التكنولوجيا المعاضدة لطلباتهم، والمزاج العالمى الكاسح ضد كل أشكال الحكم التسلطى والفردى، وانكسار حاجز الخوف أمام الشعوب (العربية) فى مواجهة أنظمتها القمعية وسقوط هيبة هذه الأنظمة، كل ذلك- وغيره كثير- يعنى أن أنظمة الملكيات المطلقة لم يعد لها مكان فى عالم اليوم. على هذه الملكيات أن تختار واحدا من خيارين: إما الإصلاح والتحديث الجذرى والتحول إلى دستوريات تكون السلطة فيها برلمانية وبيد الشعب، وإما مواجهة ما واجهته وتواجهه الجمهوريات العربية من ثورات سلمية أو دموية تنتهى بإسقاط الأنظمة كليا.

بنظرة أكثر عمقا وأوسع زمنا يمكن لنا أن نموضع الثورات العربية والحراك الشعبى فى الجمهوريات العربية والاحتقان المتصاعد فى الملكيات العربية فى نقطة قريبة من نهايات منحى تآكل شرعية هذه الأنظمة وانكشاف مقولاتها وادعاءاتها التأسيسية. لم يعد لهذه الأنظمة أى رأس مال سياسى أو أيديولوجى أو إنجازى تستطيع أن تستند إليه وتستمد منه شرعية الحكم والبقاء فى سدة القيادة، من دون أى توكيل شعبى انتخابى واضح لا لبس فيه. هذه الأنظمة، جمهورية أم ملكية كانت، تسلمت الحكم مباشرة بعد انقضاء الاستعمار الغربى للبلدان العربية، إما عبر حروب تحرير أو معاهدات انسحاب. فى حقبة الدولة المستقلة اعتاشت هذه الأنظمة على شرعية متدرجة تم تخليقها عبر تجميع أجزاء مبعثرة من شرعيات ومصادر غير مكتملة بذاتها، تضمنت تلك الأجزاء شرعية الاستقلال نفسه، إذ إن أى نخبة حاكمة، وشكل سياسى خلف الاستعمار- تمتع بشرعية ما.

 تبعت ذلك شرعية الوعد بالإنجاز، ذلك أن الدولة الوطنية والنظام الحاكم وعدا الشعوب بإنجاز دولة قوية واقتصاد ناجح وعدالة اجتماعية. ثم كانت هناك، فى المشرق تحديدا، شرعية مواجهة إسرائيل حقيقة أم ادعاء وتوظيفا. وترافق مع ذلك كله شرعية التحالفات الدولية فى حقبة الحرب الباردة واستقطاباتها الحادة، وأخيراً وبعد انقضاء تلك الحرب، تولدت شرعية الوقوف أمام «غول الإسلاميين»، والتى استثمرتها الأنظمة لإطالة عمرها واستدعاء المزيد من الدعم الغربى. بالتوازى مع الجهد المتواصل فى تركيب تلك الشرعيات وإعادة إنتاجها تم إجهاض أى حلم للديمقراطية والمشاركة السياسية تحت مزاعم عديدة، فمقابل ما كانت توفره تلك الشرعيات من مسوغات ظرفية ومبررات تحتمى بها الأنظمة، كان على الشعوب أن تتخلى، طوعا أو كره، عن أحلامها بالحرية والتحكم بمصيرها ومستقبلها.

الآن دخلنا مرحلة تآكل فيها كل تلك الشرعيات واحدة إثر الأخرى فى البلدان العربية من دون أى استثناء وإن كان ذلك التآكل قد بلغ درجة السقوط التام والكلى فى حالتى الريادة التونسية والمصرية، ثم فى حالات ليبيا واليمن وسوريا، فإن ذلك لا يعنى استثناءه الحالات الأخرى خاصة الملكية منها. فأيلولة تذرىّ وتهشّم الشرعيات التى قامت عليها الأنظمة العربية تحدث يوميا، ولو تحلت هذه الأنظمة بأى بعد نظر حقيقى، لرأت المشهد كما هو ومن دون تجميل وتزويق بطاناتها من منظرى «نحن مختلفون».

 فالمشهد يمكن اختصاره عمليا على شكل صورة سباق بين التآكل المتسارع فى الشرعية والذى يقود إلى السقوط المدوى، ومحاولة الأنظمة (الملكية) الحفاظ على نفسها بواسطة الإصلاح الحقيقى. لكن بسبب عدم رغبة الأنظمة ومستشاريها الاعتراف بهذا المشهد، بعيدا عن كل العمليات والأوصاف التلطيفية، فإن الخلاصة هى أن التآكل يكون أسرع بكثير من وتيرة الإصلاح بما يقود إلى تراكم المآزق وانفجارها. وعند ذلك، وفى فترة لاحقة، فإن الفشل الذريع هو الذى يواجه التسريع الجراحى والإكلينيكى لإجراءات الإصلاح التى تتم عن طريق تقديم تنازلات كبيرة ومدهشة من قبل النظام، لكن متأخرة عن وقتها ومتخلفة عن الحراك والمطالب الشعبية، وذلك كما شهدنا فى كل حالات الثورات العربية من مصر حتى سوريا.

منظرو أطروحة «نحن مختلفون» يجرون ملوكهم وأمراءهم إلى الهاوية، عندما لا يمتلكون الجرأة والشجاعة فى مواجهتهم بالحقيقة المرة: الإصلاح الجذرى أو السقوط المدوى. كل ما يمكن القيام به من إجراءات وسبل وقاية لا يتعدى تأثيره فعل المسكن، ذلك أنه لا يمكن إيقاف عجلة التاريخ المنحازة إلى الشعوب وحرياتها، والتى وصلت بإنسان القرن الحادى والعشرين لأن يرفض أن يُحكم وراثيا وعائليا ويُتحكم به وبثرواته ومستقبله من قبل فئة أو شريحة غير منتخبة ومفروضة عليه مهما كان المسوغ أو المبرر.

khaled.hroub@yahoo.com

* أستاذ السياسة وتاريخ الشرق الأوسط فى جامعة كامبريدج



 
.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة المصرى اليوم  
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مؤسسة  المصرى اليوم 

أتصل بنا

 | 

اتفاقية الاستخدام

 | 

الرئيسية

Site developed, hosted, and maintained by Gazayerli Group Egypt